90- يا أيها المصَدّقون بالله وكتبه ورسله المذعنون للحق ، ليس شرب المسكرات ، ولا لعب القمار ، ونصب الأحجار للذبح عندها تقرباً إلى الأصنام التي تعبدونها ، واتخاذ السهام والحصى والورق للتعرف بها على مغيبات القدر . . ليس كل ذلك إلا خبثاً نفسياً باطلا ، هو من تزيين الشيطان لفاعليه . . فاتركوه لكي تفوزوا في الدنيا بحياة فاضلة ، وفي الآخرة بنعيم الجنة .
يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر ، وهو القمار .
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : الشَطْرَنج من الميسر . رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عُبَيس بن مرحوم ، عن حاتم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي ، به .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي{[10280]} حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن لَيْث ، عن عطاء ومجاهد وطاوس - قال سفيان : أو اثنين منهم - قالوا : كل شيء من القمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصبيان بالجوز .
ورُوي عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب{[10281]} وقالا حتى الكعاب ، والجوز ، والبيض التي{[10282]} تلعب بها الصبيان ، وقال موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : الميسر هو القمار .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس قال : الميسر هو القمار ، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام ، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة .
وقال مالك ، عن داود بن الحُصَيْن : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين .
وقال الزهري ، عن الأعرج قال : الميسر والضرب بالقداح على الأموال والثمار .
وقال القاسم بن محمد : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهو من الميسر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا هذه الكِعَاب الموسومة التي يزجر بها زجرًا فإنها من الميسر " . حديث غريب . {[10283]}
وكأن المراد بهذا هو النرد ، الذي ورد في الحديث به في صحيح مسلم ، عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغ يده في لحم خنزير ودَمه " . {[10284]} وفي موطأ مالك ومسند أحمد ، وسنني أبي داود وابن ماجه ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله " . {[10285]} وروي موقوفًا عن أبي موسى من قوله ، فالله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا مكي بن إبراهيم{[10286]} حدثنا الجُعَيْد ، عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي ، أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول : أخبرني ، ما سمعت أباك يقول عن رسول الله{[10287]} صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عبد الرحمن : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل الذي يلعب بالنرد ، ثم يقوم فيصلي ، مثل الذي يتوضأ بالقَيْح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي " . {[10288]}
وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر : أنه شرّ من النرد . وتقدم عن علي أنه قال : هو من الميسر ، ونص على تحريمه مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وكرهه الشافعي ، رحمهم الله تعالى .
وأما الأنصاب ، فقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وغير واحد : هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها .
وأما الأزلام فقالوا أيضًا : هي قداح كانوا يستقسمون بها .
وقوله : { رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي سَخَط من عمل الشيطان . وقال سعيد بن جبير : إثم . وقال زيد بن أسلم : أي شر من عمل الشيطان .
{ فَاجْتَنِبُوهُ } الضمير عائد على الرجس ، أي اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وهذا ترغيب .
استئناف خطاب للمؤمنين تقفية على الخطاب الذي قبله ليُنْظَم مضمونه في السلك الذي انتظم فيه مضمون الخطاب السابق ، وهو قوله : { ولا تعتدوا } [ المائدة : 87 ] المشير إلى أنّ الله ، كما نَهى عن تَحريم المباح ، نهَى عن استحلال الحرام وأنّ الله لمّا أحلّ الطيّبات حرّم الخبائث المفضية إلى مفاسد ، فإنّ الخمر كان طيّباً عند الناس ، وقد قال الله تعالى : { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتّخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } [ النحل : 67 ] . والميسر كان وسيلة لإطعام اللحم من لا يقدرون عليه . فكانت هذه الآية كالاحتراس عمّا قد يُساء تأويله من قوله { لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } [ الأنعام : 87 ] .
وقد تقدّم في سورة البقرة أنّ المعوّل عليه من أقوال علمائنا أنّ النهي عن الخمر وقع مدرّجاً ثلاث مرات : الأولى حين نزلت آية { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [ البقرة : 219 ] ، وذلك يتضمّن نهياً غير جازم ، فتَرك شرب الخمر ناس كانوا أشدّ تقوى . فقال عمر : اللّهمّ بَيّن لنا في الخمر بياناً شافياً . ثم نزلت آية سورة [ النساء : 43 ] { يأيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتّى تعلموا ما تقولون } ، فتجنّب المسلمون شربها في الأوقات التي يظنّ بقاء السكر منها إلى وقت الصلاة ؛ فقال عمر : اللّهم بيِّن لنا في الخمر بَيَاناً شافياً . ثم نزلت الآية هذه . فقال عمر : انتهينا .
والمشهور أنّ الخمر حرمت سنة ثلاث من الهجرة بعد وقعة أحُد ، فتكون هذه الآية نزلت قبل سورة العقود ووضعت بعد ذلك في موضعها هنا . وروي أنّ هذه الآية نزلت بسبب ملاحاة جرَت بين سعد بن أبي وقاص ورجللٍ من الأنصار . روى مسلم عن سعد بن أبي وقّاص قال : أتيتُ على نفر من الأنصار ، فقالوا : تعالَ نطعِمْك ونُسقك خمراً وذلك قبل أن تحرّم الخمر فأتيتهم في حُشّ ، وإذا رأسُ جَزور مشوي وزقّ من خمر ، فأكلت وشربت معهم ، فذكرتُ الأنصار والمهاجرين عندهم ، فقلتُ : المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَ جَمَل فضربني به فجَرح بأنفي فأتيت رسول الله فأخبرته ، فأنزل الله تعالى فِيّ { إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } . وروى أبو داود عن ابن عبّاس قال : { يأيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] و { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس } [ البقرة : 219 ] نسختهما في المائدة { إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } .
فلا جرم كان هذا التحريم بمحلّ العناية من الشارع متقدّماً للأمّة في إيضاح أسبابه رفقاً بهم واستئناساً لأنفسهم ، فابتدأهم بآية سورة البقرة ، ولم يسفّههم فيما كانوا يتعاطون من ذلك ، بل أنبأهم بعذرهم في قوله : { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [ البقرة : 219 ] ، ثم بآية سورة النساء ، ثم كرّ عليها بالتحريم بآية سورة المائدة فحصر أمرهما في أنّهما رجس من عمل الشيطان ورجا لهم الفلاح في اجتنابهما بقوله : { لعلّكم تفلحون } ، وأثار ما في الطباع من بغض الشيطان بقوله : { إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء } . ثم قال { فهل أنتم منتهون } ، فجاء بالاستفهام لتمثيل حال المخاطبين بحال من بيَّن له المتكلّم حقيقة شيء ثم اختبر مقدار تأثير ذلك البيان في نفسه .
وصيغة : هل أنت فاعل كذا . تستعمل للحثّ على فعل في مقام الاستبطاء ، نبّه عليه في « الكشاف » عند قوله تعالى : { وقيل للنّاس هَلْ أنتم مُجتمعون } في سورة [ الشعراء : 39 ] ، قال : ومنه قول تأبّط شرّاً :
هل أنتَ باعثُ دينار لحاجتنا *** أو عَبْدِ ربّ أخَا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ
( دينار اسم رجل ، وكذا عبد ربّ . وقوله : أخا عون أو عوف نداء ، أي يا أخا عون ) . فتحريم الخمر متقرّر قبل نزول هذه السورة ، فإنّ وفد عبد القيس وفدوا قبل فتح مكة في سنة ثمان ، فكان ممّا أوصاهم به رسول الله أن لا ينتبذوا في الحَنتم والنقير والمُزَفَّت والدّبَّاءِ ، لأنَّها يسرع الاختمار إلى نبيذها .
والمراد بالأنصاب هنا عبادة الأنصاب . والمراد بالأزلام الاستقسام بها ، لأنّ عطفها على الميسر يقتضي أنّها أزلام غير الميسر . قال في : ذكر الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر مقصود منه تأكيد التحريم للخمر والميسر . وتقدّم الكلام على الخمر والميسر في آية سورة البقرة ، وتقدم الكلام على الأنصاب عند قوله تعالى : { وما ذُبح على النّصُب } [ المائدة : 3 ] ، والكلام على الأزلام عند قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } في أول هذه السورة [ 3 ] . وأكّد في هذه الآية تحريم ما ذُبح على النُصب وتحريم الاستقسام بالأزلام وهو التحريم الوارد في أوّل السورة والمقرّر في الإسلام من أوّل البعثة .
والمرادُ بهذه الأشياء الأربعة هنا تعاطيها ، كلّ بما يُتعاطى به من شُرْب ولعب وذَبح واستِقسام . والقصرُ المستفاد من { إنّما } قصرُ موصوف على صفة ، أي أنّ هذه الأربعة المذكورات مقصورة على الاتّصاف بالرجس لا تتجاوزه إلى غيره ، وهو ادّعائي للمبالغة في عدم الاعتداد بما عدا صفة الرجس من صفات هذه الأربعة . ألا ترى أنّ الله قال في سورة [ البقرة : 219 ] في الخمر والميسر { قل فيهما إثم كبير ومَنَافع للناس } ، فأثبت لهما الإثم ، وهو صفة تساوي الرجس في نظر الشريعة ، لأنّ الإثم يقتضي التباعد عن التلبّس بهما مثل الرجس . وأثبت لهما المنفعة ، وهي صفة تساوي نقيض الرجس ، في نظر الشريعة ، لأنّ المنفعة تستلزم حرصَ الناس على تعاطيهما ، فصحّ أنّ للخمر والميسر صفتين . وقد قُصر في آية المائدة على ما يساوي إحدى تينك الصفتين أعني الرجس ، فما هو إلاّ قَصْر ادّعائي يشير إلى ما في سورة [ البقرة : 219 ] من قوله : { وإثمُهما أكبر من نفعهما } ، فإنّه لمّا نبّهنا إلى ترجيح ما فيهما من الإثم على ما فيهما من المنفعة فقد نبّهنا إلى دحض ما فيهما من المنفعة قُبالة ما فيهما من الإثم حتّى كأنّهما تمحّضا للاتّصاف ب { فيهما إثم } [ البقرة : 219 ] ، فصحّ في سورة المائدة أن يقال في حقّهما ما يفيد انحصارهما في أنّهما فيهما إثم ، أي انحصارهما في صفة الكون في هذه الظرفية كالانحصار الذي في قوله : { إنْ حسابُهم إلاّ على رَبِّي } [ الشعراء : 113 ] ، أي حسابهم مقصور على الاتّصاف بكونه على ربّي ، أي انحصر حسابهم في معنى هذا الحرف . وذلك هو ما عبّر عنه بعبارة الرجس .
والرجس الخبث المستقذر والمكروه من الأمور الظاهرة ، ويطلق على المذمّات الباطنة كما في قوله : { وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] ، وقوله : { إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } [ الأحزاب : 33 ] . والمراد به هنا الخبيث في النفوس واعتبارِ الشريعة . وهو اسم جنس فالإخبار به كالإخبار بالمصدر ، فأفاد المبالغة في الاتّصاف به حتّى كأنّ هذا الموصوف عين الرجس . ولذلك أيضاً أفرد ( رجس ) مع كونه خبراً عن متعدّد لأنّه كالخبر بالمصدر .
ومعنى كونها من عمل الشيطان أن تعاطيَها بما تُتعاطى لأجله من تسويله للناس تعاطيها ، فكأنّه هو الذي عملها وتعاطاها ، وفي ذلك تنفير لمتعاطيها بأنّه يعمل عمل الشيطان ، فهو شيطان ، وذلك ممّا تأباه النفوس .
والفاء في { فاجتنبوه } للتفريع وقد ظهر حُسن موقع هذا التفريع بعد التقدّم بما يوجب النفرة منها . والضمير المنصوب في قوله { فاجتنبوه } عائد إلى الرجس الجامع للأربعة . و { لعلّكم تفلحون } رجاء لهم أن يفلحوا عند اجتناب هذه المنهيات إذا لم يكونوا قد استمرّوا على غيرها من المنهيات . وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى : { يأيّها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلّكم تتّقون } [ البقرة : 21 ] . وقد بيّنت ما اخترته في محل ( لعلّ ) وهو المطّرد في جميع مواقعها ، وأمّا المحامل التي تأوّلوا بها ( لعلّ ) في آية سورة البقرة فبعضها لا يتأتّى في هذه الآية فتأمّلْه .
واجتناب المذكورات هو اجتناب التلبّس بها فيما تقصد له من المفاسد بحسب اختلاف أحوالها ؛ فاجتناب الخمر اجتناب شربها ؛ والميسر اجتناب التقامر به ، والأنصاب اجتناب الذبح عليها ؛ والأزلام اجتناب الاستقسام بها واستشارتها . ولا يدخل تحت هذا الاجتناب اجتناب مسّها أو إراءتها للناس للحاجة إلى ذلك من اعتبار ببعض أحوالها في الاستقطار ونحوه ، أو لمعرفة صورها ، أو حفظها كآثار من التاريخ ؛ أو ترك الخمر في طور اختمارها لِمن عَصَر العنب لاتّخاذه خلاً ، على تفصيل في ذلك واختلاف في بعضه .
فأمّا اجتناب مماسّة الخمر واعتبارها نجسة لمن تلطّخ بها بعض جسده أو ثوبه فهو ممّا اختلف فيه أهل العلم ؛ فمنهم من حملوا الرجس في الآية بالنسبة للخمر على معنييه المعنوي والذاتي ، فاعتبروا الخمر نجس العين يجب غسلها كما يجب غسل النجاسة ، حملاً للفظ الرجس على جميع ما يحتمله .
وهو قول مالك . ولم يقولوا بذلك في قداح الميسر ولا في حجارة الأنصاب ولا في الأزلام والتفرقة بين هذه الثلاث وبين الخمر لا وجه لها من النظر . وليس في الأثر ما يحتجّ به لنجاسة الخمر . ولعلّ كون الخمر مائعة هو الذي قرّب شبهها بالأعيان النجسة ، فلمّا وُصفت بأنّها رجس حُمل في خصوصها على معنييه . وأمّا ما ورد في حديث أنس أنّ كثيراً من الصحابة غسلوا جرار الخمر لما نودي بتحريم شربها لذلك من المبالغة في التبرّىء منها وإزالة أثرها قبل التمكّن من النظر فيما سوى ذلك ، ألا ترى أنّ بعضهم كسر جرارها ، ولم يَقُل أحد بوجوب كسر الإناء الذي فيه شيء نجس . على أنّهم فعلوا ذلك ولم يُؤمروا به من الرسول صلى الله عليه وسلم .
وذهب بعض أهل العلم إلى عَدم نجاسة عين الخمر . وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمان ، والليث بن سعد ، والمُزني من أصحاب الشافعي ، وكثير من البغداديين من المالكية ومن القيروانيين ؛ منهم سعيد بن الحَدّاد القيرواني . وقد استدلّ سعيد بن الحدّاد{[224]} على طهارتها بأنّها سُفِكت في طرق المدينة ، ولو كانت نجساً لنهوا عنه ، إذ قد ورد النهي عن إراقة النجاسة في الطرق . وذكر ابن الفرس عن ابن لبابة أنّه أقام قولاً بطهارة عين الخمر من المذهب .
وأقول : الذي يقتضيه النظر أنّ الخمر ليستْ نَجَس العين ، وأنّ مسَاق الآية بعيد عن قصد نجاسة عينها ، إنّما القصد أنّها رجس معنوي ، ولذلك وصفه بأنّه من عَمَل الشيطان ، وبيّنه بعدُ بقوله : { إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة } ، ولأنّ النجاسة تعتمد الخباثة والقذارة وليست الخمر كذلك ، وإنّما تنزّه السلف عن مقاربتها لتقرير كراهيتها في النفوس .