المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

12- قال الله منكراً عليه عصيانه : ما منعك عن تعظيم آدم وقد أمرتك به ؟ أجاب إبليس في عناد وكبر : أنا خير من آدم لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين ، والنار أشرف من الطين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

قال بعض النحاة في توجيه قوله تعالى : { مَا [ مَنَعَكَ ]{[11580]} أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } لا هاهنا زائدة .

وقال بعضهم : زيدت لتأكيد الجحد ، كقول الشاعر :

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثله

فأدخل " إن " وهي للنفي ، على " ما " النافية ؛ لتأكيد النفي ، قالوا : وكذلك هاهنا : { مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ } مع تقدم قوله : { لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }

حكاهما ابن جرير{[11581]} وردهما ، واختار أن " منعك " تضمن معنى فعل آخر تقديره : ما أحوجك وألزمك واضطرك ألا تسجد إذ أمرتك ، ونحو ذلك . وهذا القول قوي حسن ، والله أعلم .

وقول إبليس لعنه الله : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } من العذر الذي هو أكبر من الذنب ، كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول ، يعني لعنه الله : وأنا خير منه ، فكيف تأمرني بالسجود له ؟ ثم بين أنه خير منه ، بأنه خلق من نار ، والنار أشرف مما خلقته منه ، وهو الطين ، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ، ولم ينظر إلى التشريف العظيم ، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وقاس قياسًا فاسدًا في مقابلة نص قوله تعالى : { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص : 72 ] فشذ من بين الملائكة بتَرْك السجود ؛ فلهذا{[11582]} أبلس من الرحمة ، أي : أيس من الرحمة ، فأخطأ قَبَّحه الله في قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضًا ، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت ، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح . والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة ؛ ولهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره في الرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله ، والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة .

وفي صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خُلِقَت الملائكة من نور ، وخُلقَ إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وُصِفَ لكم " هكذا رواه مسلم{[11583]} .

وقال ابن مَرْدُوَيه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل ، عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا نُعَيم ابن حماد ، حدثنا عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله الملائكة من نور العرش ، وخلق الجان من [ مارج من ]{[11584]} نار ، وخلق آدم مما وُصِفَ لكم " . قلت لنعيم بن حماد : أين سمعت هذا من عبد الرزاق ؟ قال : باليمن{[11585]} وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح : " وخلقت الحور العين من الزعفران " {[11586]} .

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن كثير ، عن ابن شَوْذَب ، عن مطر الوَرَّاق ، عن الحسن في قوله : { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } قال : قاس إبليس ، وهو أول من قاس . إسناده صحيح .

وقال : حدثني عمرو بن مالك ، حدثني يحيى بن سليم الطائفي{[11587]} عن هشام ، عن ابن سيرين قال : أول من قاس إبليس ، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس{[11588]} إسناد صحيح أيضا .


[11580]:زيادة من أ.
[11581]:تفسير الطبري (12/324).
[11582]:في م: "ولهذا".
[11583]:صحيح مسلم برقم (2996).
[11584]:زيادة من أ.
[11585]:رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (20904).
[11586]:ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/237) من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، رضي الله عنه، وفي إسناده عبيد الله بن زحر، قال ابن حبان في المجروحين: "يروى الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم".
[11587]:في أ: "الطائي".
[11588]:تفسير الطبري (12/328).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

{ ما } استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع ، و { لا } في قوله «أن لا » قيل هي زائدة ، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي ك «لا » في قول الشاعر : [ الطويل ]

أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به*** نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله

وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل «لا » فيه زائدة . وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها ، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن «لا » قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات . ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر : [ الكامل ]

أفَِمنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه*** غاب تسنمه ضرام مثقبُ

وقيل في الآية ليست لا زائدة ، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد ، وقيل : لما كان { ما منعك } بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها { ألا تسجد } .

قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه ، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك ، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه ، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب ، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت .

قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر ، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .

قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس ، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

قوله : { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } ابتداء المحاورة ، لأنّ ترك إبليس السّجود لآدم بمنزلة جواب عن قول الله : { أسجدوا لآدم } ، فكان بحيث يتوجّه إليه استفسار عن سبب تركه السّجود ، وضمير : { قال } عائد إلى معلوم من المقام أي قال اللَّهُ تعالى بقرينة قوله : { ثم قلنا للملائكة اسجدوا } ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال : قُلنا ، فكان العدول إلى ضمير الغائب التفاتاً ، نكتته تحويل مقام الكلام ، إذ كان المقامُ مقام أمرٍ للملائكة ومن في زمرتهم فصار مقام توبيخ لإبليس خاصة .

و { مَا } للاستفهام ، وهو استفهام ظاهره حقيقي ، ومشوب بتوبيخ ، والمقصود من الاستفهام إظهار مقصد إبليس للملائكة .

و { منعك } معناه صدّك وكفّك عن السجود فكان مقتضى الظاهر أن يقال : ما منعك أن تسجد لأنّه إنّما كفّ عن السّجود لا عن نفي السجود فقد قال تعالى في الآية الأخرى : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } [ ص : 75 ] ، فلذلك كان ذكر ( لا ) هنا على خلاف مقتضى الظاهر ، فقيل هي مزيدة للتّأكيد ، ولا تفيد نفياً ، لأنّ الحرف المزيد للتّأكيد لا يفيد معنى غيرَ التّأكيد . و ( لاَ ) من جملة الحروف التي يؤكّد بها الكلام كما في قوله تعالى : { لا أقسم بهذا البلد } [ البلد : 1 ] وقوله { لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله } [ الحديد : 29 ] أي ليعلم أهل الكتاب علماً محقّقاً . وقوله تعالى : { وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] أي ممنوع أنّهم يرجعون منعاً محقّقاً ، وهذا تأويل الكسائي ، والفراء ، والزّجاج ، والزّمخشري ، وفي توجيه معنى التّأكيد إلى الفعل مع كوننِ السّجود غير واقععٍ فلا ينبغي تأكيده خفاءٌ لأنّ التّوكيد تحقيق حصول الفعل المؤكّد ، فلا ينبغي التّعويل على هذا التّأويل .

وقيل ( لا ) نافية ، ووجودها يؤذن بفعل مقدر دلّ عليه { منعك } لأنّ المانع من شيء يدعو لضدّه ، فكأنّه قيل : ما منعك أن تسجد فدعاك إلى أن لا تسجد ، فإمّا أن يكون { منعك } مستعملاً في معنى دعَاك ، على سبيل المجاز ، و ( لا ) هي قرينة المجاز ، وهذا تأويل السكاكي في « المفتاح » في فصل المجاز اللّغوي ، وقريبٌ منه لعبد الجبّار فيما نقله الفخر عنه ، وهو أحسن تأويلاً ، وإمّا أن يكون قد أريد الفعلان ، فذُكر أحدهما وحذف الآخر ، وأشير إلى المحذوف بمتعلّقه الصّالح له فيكون من إيجاز الحذف ، وهو اختيار الطّبري ومن تبعه .

وانظر ما قلتُه عند قوله تعالى : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني } في سورة طه ( 92 ، 93 ) .

وقوله : { إذ أمرتك } ظرف ل { تسجد } ، وتعليق ضميره بالأمر يقتضي أن أمر الملائكة شامل له ، إمّا لأنّه صنف من الملائكة ، فخلق الله إبليس أصلاً للجنّ ليجعل منه صنفاً مُتَمِّيزاً عن بقيّة الملائكة بقبوله للمعصية ، وهذا هو ظاهر القرآن ، وإليه ذهب كثير من الفقهاء ، وقد قال الله تعالى : { إلا إبليس كانَ من الجنّ } [ الكهف : 50 ] الآية ، وإما لأنّ الجنّ نوع آخر من المجردات ، وإبليس أصل ذلك النّوع ، جعله الله في عداد الملائكة ، فكان أمرهم شاملاً له بناء على أن الملائكة خلقوا من النّور وأنّ الجنّ خلقوا من النّار ، وفي « صحيح مسلم » ، عن عائشة رضي الله عنها : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلقت الملائكة من نور وخُلق الجان من مارج من نار " وإلى هذا ذهب المعتزلة وبعض الأشاعرة ، وقد يكون المراد من النّار نوراً مخلوطاً بالمادة ، ويكون المراد بالنّور نوراً مجرداً ، فيكون الجنّ نوعاً من جنس الملائكة أحطّ ، كما كان الإنسان نوعاً من جنس الحيوان أرقى .

وفُصِل : { قال أنا خير منه } لوقوعه على طريقة المحاورات .

وبَيّن مانعه من السّجود بأنّه رأى نفسه خيراً من آدم ، فلم يمتثل لأمر الله تعالى إياه بالسّجود لآدم ، وهذا معصية صريحة ، وقوله : { أنا خير منه } مسوق مساق التّعليل للامتناع ولذلك حذف منه اللام .

وجملة : { خلقتني من نار } بيان لجملة : { أنا خير منه } فلذلك فصلت ، لأنّها بمنزلة عطف البيان من المبيّن .

وحصَل لإبليس العلم بكونه مخلوقاً من نار ، بإخبار من الملائكة الذين شهدوا خلقَه ، أو بإخبار من الله تعالى .

وكونه مخلوقاً من النّار ثابت قال تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار } [ الرحمن : 14 ، 15 ] وإبليس من جنس الجنّ قال تعالى في سورة الكهف ( 50 ) : { فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه } واستند في تفضيل نفسه إلى فضيلة العنصر الذي خلق منه على العنصر الذي خلق منه آدم .

والنّار هي الحرارة البالغة لشدّتها الالتهاب الكائنة في الأجسام المصهورة بأصل الخلقة ، كالنّار التي في الشّمس ، وإذا بلغت الحرارة الالتهام عرضت النّارية للجسم من معدن أو نبات أو تراب مثل النّار الباقية في الرّماد .

والنار أفضل من التّراب لقوّة تأثيرها وتسلّطها على الأجسام التي تلاقيها ، ولأنّها تضيء ، ولأنّها زكيّة لا تلصق بها الأقذار ، والتّراب لا يشاركها في ذلك وقد اشتركا في أن كليهما تتكوّن منه الأجسام الحيّة كلّها .

وأمّا النّور الذي خُلق منه الملَكُ فهو أخلَص من الشّعاع الذي يبيّن من النّار مجرّدا عن ما في النّار من الأخلاط الجثمانيّه .

والطّينُ التّراب المختلط بالماء ، والماءُ عنصر آخر تتوقّف عليه الحياة الحيوانيّة مع النّار والتّراب ، وظاهر القرآن في آيات هذه القصة كلّها أنّ شرف النّار على التّراب مقرّر ، وأنّ إبليس أُوخذ بعصيان أمر الله عصياناً باتّاً ، والله تعالى لمّا أمر الملائكه بالسّجود لآدم قد عَلِم استحقاق آدمَ ذلك بما أوْدع الله فيه من القوّة التي قد تبلغ به إلى مبلغ الملائكة في الزّكاء والتّقديس ، فأمّا إبليس فغرّه زكاء عنصره وذلك ليس كافياً في التّفضيل وحده ، ما لم يَكن كِيَانُه من ذلك العنصر مهيّئاً إياه لبلوغ الكمالات ، لأنّ العبرة بكيفيّة التّركيب ، واعتبار خصائص المادة المركّب منها بعد التّركيب ، بحسب مقصد الخالق عند التّركيب ، ولا عبرة بحالة المادة المجرّدة ، فاللَّه تعالى ركب إبليس من عنصر النّار على هيئة تجعله يستخدم آثار القوّة العنصريّة في الفساد والاندفاع إليه بالطّبع دون نظر ، بحسب خصائص المادة المركّب هو منها ، وركّب آدم من عنصر التّراب على هيئة تجعله يستخدم آثار القوّة العنصريّة في الخبر والصّلاح والاندفاع إلى ازدياد الكمال بمحض الاختيار والنّظر ، بحسب ما تسمح به خصائص المادّة المركّب هو منها ، وكلّ ذلك منوط بحكمة الخالق للتّركيب ، وركّب الملائكة من عنصر النّور على هيئة تجعلهم يستخدمون قواهم العنصرية في الخيرات المحضة ، والاندفاع إلى ذلك بالطّبع دون اختيار ولا نظر ، بحسب خصايص عنصرهم ، ولذلك كان بلوغ الإنسان إلى الفضائل الملكيّة أعلى وأعجب ، وكان مبلغه إلى الرّذائل الشّيطانيّة أحطّ وأسهل ، ومن أجل ذلك خوطب بالتّكليف .

ولأجل هذا المعنى أمر الله الملائكة بالسّجود لآدم أصل النّوع البشري لأنّه سجود اعتراف لله تعالى بمظهر قدرته العظيمة ، وأمر إبليس بالسّجود له كذلك ، فأمّا الملائكة فامتثلوا أمر الله ولم يعلموا حكمته ، وانتظروا البيان ، كما حكى عنهم بقوله : { قالوا سبحانك لا عِلْم لنا إلا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم } [ البقرة : 32 ] فجاءهم البيان مجملاً بقوله : { إنّي أعلَمُ ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] ثمّ مفصّلا بقصّة قوله : { ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } [ البقرة : 31 ] إلى قوله { وما كنتم تكتمون } في سورة البقرة ( 33 ) .