7- ويقول هؤلاء الجاحدون غير معتدين بالمعجزة الكبرى ، وهي القرآن : هلا أنزل عليه ربه علامة علي نبوته من الحس كتحريك الجبال ، فيبين الله لنبيه الحق في القضية ؟ ويقول له سبحانه : إنما أنت - أيها النبي - منذر لهم بسوء العاقبة ، إن استمروا علي ضلالهم ، ولكل قوم رسول يهديهم إلي الحق ، ومعجزة تبين رسالته ، وليس لهم أن يختاروا ، إنما عليهم أن يجيبوا التحدي وأن يأتوا بمثله .
يقول تعالى إخبارًا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، كما تعتنوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل{[15453]} عنهم الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، قال الله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا } [ الإسراء : 59 ] .
قال الله تعالى : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } أي : إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها ، { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة : 272 ] .
وقوله : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، أي : ولكل قوم داع .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في تفسيرهما : يقول الله تعالى : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم ، وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك .
وعن مجاهد : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : نبي . كما قال : { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] وبه قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال أبو صالح ، ويحيى بن رافع : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : قائد .
وقال أبو العالية : الهادي : القائد ، والقائد : الإمام ، والإمام : العمل .
وعن عِكْرِمة ، وأبي الضحى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قالا هو محمد [ رسول الله ]{[15454]} صلى الله عليه وسلم .
وقال مالك : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } من يدعوهم إلى الله ، عز وجل .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن يحيى الصوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري ، حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال : وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره ، وقال : " أنا المنذر ، ولكل قوم هاد " . وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : " أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي " .
وهذا الحديث فيه نكارة شديدة{[15455]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال : الهادي : رجل من بني هاشم : قال الجنيد{[15456]} هو علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عباس ، في إحدى الروايات ، وعن أبي جعفر محمد بن علي ، نحو ذلك .
وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا } الآية ، هذه آية غض من اقتراحاتهم المتشططة التي لم يجر الله به عادة إلا للأمم التي حتم بعذابها واستئصالها ، و «الآية » هنا يراد بها الأشياء التي سمتها قريش كالملك والكنز وغير ذلك ، ثم أخبره الله تعالى بأنه { منذر } وهذا الخبر قصد هو بلفظه ، والناس أجمعون بمعناه .
واختلف المتأولون في قوله : { ولكل قوم هاد } فقال عكرمة وأبو الضحى : المراد بالهادي محمد عليه السلام ، و { هادٍ } عطف على { منذر } كأنه قال : إنما أنت { منذر } و { هادٍ } لكل قوم . فيكون هذا المعنى يجري مع قوله عليه السلام : «بعثت للأسود والأحمر »{[6909]} و { هادٍ } - على هذا - في هذه الآية بمعنى داعٍ إلى طريق الهدى . وقال مجاهد وابن زيد : المعنى : إنما أنت «منذر » ولكل أمة سلفت «هادٍ » أي نبي يدعوهم .
قال القاضي أبو محمد : والمقصد : فليس أمرك يا محمد ببدع ولا منكر ، وهذا يشبه غرض الآية .
وقالت فرقة : «الهادي » في هذه الآية الله عز وجل ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير ، و { هادٍ } - على هذا - معناه مخترع للرشاد .
قال القاضي أبو محمد : والألفاظ تطلق بهذا المعنى ، ويعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع .
وقالت فرقة «الهادي » : علي بن أبي طالب ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن عباس - أنه قرأ هذه الآية وعلي حاضر ، فأومأ بيده إلى منكب علي وقال : «أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي »{[6910]} .
قال القاضي أبو محمد : والذي يشبهه - إن صح هذا - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل علياً رضي الله عنه مثالاً من علماء الأمة وهداتها إلى الدين ، كأنه قال : أنت يا علي وصنفك ، فيدخل في هذا أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة ، ثم كذلك من كل عصر ، فيكون المعنى - على هذا - إنما أنت يا محمد ولكل قوم في القديم والحديث رعاة وهداة إلى الخير .
قال القاضي أبو محمد : والقولان الأولان أرجح ما تأول في الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.