يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله{[14189]} الحسنى في الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] .
وقوله : { وَزِيَادَة } هي{[14190]} تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك [ أيضا ]{[14191]} ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه{[14192]} الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته{[14193]} وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله{[14194]} الكريم ، عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس [ قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت ]{[14195]} وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم من السلف والخلف .
وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه . فيقولون : وما هو ؟ ألم يُثقِّل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار ؟ " . قال : " فيكشف{[14196]} لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .
وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة ، من حديث حماد بن سلمة ، به . {[14197]}
وقال ابن جرير : أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أخبرنا شبيب ، عن أبان{[14198]} عن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمي ؛ أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي : يا أهل الجنة - بصَوْت يُسْمعُ أوَّلهم وآخرهم - : إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى : الجنة . وزيادة : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " . {[14199]}ورواه أيضا ابنُ أبي حاتم ، من حديث أبي بكر الهُذلي{[14200]} عن أبي تميمة الهجيمي ، به .
وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار{[14201]} عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن كعب بن عُجْرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل . {[14202]} وقال أيضا : حدثنا ابن عبد الرحيم{[14203]} حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، سمعت زهيرًا عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبيّ بن كعب : أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : " الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله عز وجل " . {[14204]} ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ، به .
وقوله تعالى : { وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } أي : قتام وسواد في عَرَصات المحشر ، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القُتْرة والغُبْرة ، { وَلا ذِلَّةٌ } أي : هوان وصغار ، أي : لا يحصل لهم إهانة في الباطن ، ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم : { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } أي : نضرة في وجوههم ، وسرورًا في قلوبهم ، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته ، آمين .
{ للذين أحسنوا الحسنى } المثوبة الحسنى . { وزيادة } وما يزيد على المثوبة تفضلا لقوله : { ويزيدهم من فضله } وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر ، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان ، وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء . { ولا يرهق وجوههم } لا يغشاها . { قترٌ{ غبرة فيها سواد . { ولا ذلّة } هوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال . { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.