المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

208- يا أيها الذين آمنوا كونوا جميعاً مسالمين فيما بينكم ، ولا تثيروا العصبيات الجاهلية وغيرها من أسباب النزاع والخلاف ، ولا تسيروا في طريق الشيطان الذي يدفعكم إلى الشقاق فإنه لكم عدو مبين{[16]} .


[16]:هذا النص القرآني فيه دعوة عامة من المؤمنين إلى السلام، ويفيد أن الحرب والخصام هي من السير وراء الشيطان، والإسلام يدعو عامة المؤمنين إلى أن يكونوا مسالمين مع غيرهم، ومسالمين في داخل أنفسهم، فلا حرب مع غيرهم، ولا حرب فيما بينهم. وإن هذا النص يدل على أن الأصل في العلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها هو المسلم، وأن ذلك هو مبدأ الأديان السماوية كلها، ففي الوقت الذي كان فيه قانون الغابة هو الذي يحكم الدول، وهو الذي يحدد العلاقات بينها: القوي يأكل الضعيف، جاء الإسلام بذلك المبدأ السامي، وهو أن العلاقة هي السلم، وإذا كان القتال فإنه لدفع الاعتداء، أي لحمل المعتدي على أن يكون مسالما، فالحرب التي شرعها الإسلام، وشرعتها الأديان هي لتثبيت دعائم السلم وتحقيق العدل، فهي حرب السلام لاستقرار العدل والسلام.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله : أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك .

قال العوفي ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، والضحاك ، وعكرمة ، وقتادة ، والسُّدّي ، وابن زيد ، في قوله : { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ } يعني : الإسلام .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، وأبو العالية ، والربيعُ بن أنس : { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ } يعني : الطاعة . وقال قتادة أيضًا : الموادعة .

وقوله : { كَافَّةً } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والربيع ، والسّدي ، ومقاتل بن حَيَّان ، وقتادة والضحاك : جميعًا ، وقال مجاهد : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر .

وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم ، كعبد الله بن سلام ، وثعلبة وأسَد بن عُبَيد وطائفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يُسْبتوا ، وأن يقوموا بالتوراة ليلا . فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها . وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر ، إذْ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت ، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه ، والتعويض عنه بأعياد الإسلام .

ومن المفسرين من يجعل قوله : { كَافَّةً } حالا من الداخلين ، أي : ادخلوا في الإسلام كلكم . والصحيح الأول ، وهو أنَّهم أمروا [ كلهم ]{[3718]} أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام ، وهي كثيرة جدًا ما استطاعوا منها . وقال{[3719]} ابن أبي حاتم : أخبرنا علي بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن الصباح ، أخبرني الهيثم بن يمان ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، حدثني محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } - كذا قرأها بالنصب - يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمْر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم ، فقال الله : { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً } يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تَدَعَوا منها شيئًا وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها .

وقوله : { وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي : اعملوا الطاعات{[3720]} ، واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان ف { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 169 ] ، و { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] ؛ ولهذا قال : { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } قال مُطَرِّف : أغش عباد الله لعَبِيد الله الشيطان .


[3718]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[3719]:في جـ، ط: "كما قال".
[3720]:في أ: "اعملوا بالطاعات".