غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

204

قوله سبحانه { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } أصل السلم بالكسر ، والفتح الاستسلام والطاعة . ويطلق أيضاً على الصلح وترك الحرب والمنازعة . وهو أيضاً راجع إلى هذا و إنه يذكر ويؤنث . واختلف في المخاطبين فقيل : أمر للمسلمين بما يضاد حال المنافقين أي يا أيها الذين آمنوا بالألسنة والقلوب دوموا على الإسلام فيما تستأنفونه من أيامكم ولا تخرجوا منه ولا من شيء من شرائعه . { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } لا تلتفتوا إلى الشبهات التي يلقيها إليكم أهل الغواية ، والكائن في الدار إذا علم أن له في المستقبل خروجاً منها لا يمتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل حالاً بعد حال . ومعلوم أن المؤمنين قد يخرجون عن خصال الإيمان بالنوم والسهو وغيرهما من الأحوال ، فلا يبعد أن يأمرهم الله بالدخول في الإسلام فيما يستأنف من الزمان . أو أمرهم بأن يكونوا مجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه . ولا تتبعوا آثار الشيطان بالإقبال على الدنيا والجبن والخور في أمر الدين مثل { ولا تنازعوا فتفشلوا }

[ الأنفال : 46 ] أو يكون المراد بالدخول في السلم ترك الذنوب والمعاصي ، فإن من مذهبنا أن الإيمان باقٍ مع الذنب والعصيان ، أو يكون المراد الرضا بالقضاء والتلقي لجميع المكاره بالبشر والطلاقة كما ورد في الخبر " الرضا بالقضاء باب الله الأعظم " أو يكون المراد ترك الانتقام وسلوك طريق العفو والإغماض { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } [ الفرقان : 63 ] وقوله : { كافة } يصلح أن يكون حالاً من المأمورين أي ادخلوا بأجمعكم في السلم ولا تتفرقوا ولا تختلفوا وأن يكون حالاً من السلم على أنها مؤنث كالحرب أي ادخلوا في شرائع الإسلام كلها وأصل الكف المنع فسمي الجميع كافة لأن الاجتماع بمنع التفرق والشذوذ . ورجل مكفوف أي كف بصره من أن ينظر . وكفة القميص لأنها تمنع الثوب من الانتشار . والكف طرف اليد لأنه يكف بها عن سائر البدن . وقيل : الخطاب للمنافقين والتقدير : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام ولا تتبعوا آثار تزيين الشيطان وتسويله بالإقامة على النفاق . وقيل : نزلت في مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه حين أرادوا أن يقيموا على بعض شرائع موسى كتعظيم السبت وقراءة التوراة واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأمروا أن يدخلوا في شرائع الإسلام كافة ولا يتمسكوا بشيء من أحكام التوراة لثبوت نسخها بالكلية ، فإن التمسك بها بعد تبين نسخها من اتباع آثار الشيطان ، وقيل : السلم الإسلام ، والخطاب لأهل الكتاب ، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالكتاب المتقدم كملوا طاعتكم بالإيمان بجميع أنبيائه وكتبه ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بالشبهات التي يتمسكون بها في بقاء تلك الشريعة { إنه لكم عدوّ مبين } عن أبي مسلم أن المبين من صفات البليغ الذي يعرب عن ضميره ، ولا يخفى أنه أعرب عن عداوته لآدم ونسله . وقيل : مبين من الإبانة القطع وذلك أنه يقطع المكلف بوسوسته عن طاعة الله وثوابه ورضوانه .

/خ210