الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضري وأصحابه وذلك إنهم عظموا السبت وكرهوا لحم الابل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } أي في الإسلام قاله قتادة والضحاك والسدي وابن زيد ، يدلّ عليه قول الكندي :

دعوت عشيرتي للسلم *** لما رأيتهم تولوا مدبرينا

أي دعوتهم إلى الإسلام لما إرتدوا ، قال ذلك حين إرتدة كندة مع الأشعت بن قيس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال طاووس : في الدين .

مجاهد : في أحكام أهل الإسلام وأعمالهم كافة أي جميعها .

ربيع : في الطاعة .

سفيان الثوري : في أنواع البر كلها ، وكلها متقاربة في المعنى وأصله من الاستسلام والانقياد ولذلك قيل للصلح سلم وقال زهير :

وقد ملتما إن ندرك السلم واسعاً *** بمال ومعروف من الأمر نسلم

قال حذيفة بن اليمان : في هذه الآية الإسلام ثمانية أسهم : الصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، والحج سهم ، والعمرة سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له .

واختلف القراء في السلم .

فقرأ الأعمش وابن عبّاس : بكسر السين هاهنا وفي الأنفال وسورة محمّد صلى الله عليه وسلم .

وقرأها أهل الحجاز والكسائي : كلها بالفتح وهو اختيار أبي عبيد . لما روى عبد الرحمن ابن [ ابزي ] أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأها كلها بالفتح .

وقرأ حمزة وخلف في الانفال بالفتح وسائرها بالكسر .

وقرأ الباقون : هاهنا بالكسر والباقي بالفتح وهو اختيار أبي حاتم ، وهما لغتان .

عاصم الأحول عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل الإسلام كمثل الشجرة الثابتة الإيمان بالله ، أصلها الصلوات الخمس جذوعها ، وصيام شهر رمضان لحاءها ، والحج والعمرة جناها ، والوضوء وغسل الجنابة شربها ، وبر الوالدين وصلة الرحم غصونها ، والكف عمّا حرم الله ورقها ، والأعمال الصالحة ثمرها ، وذكر الله تعالى عروقها " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كما لا تحسن الشجرة ولا تصلح إلاّ بالورق الأخضر ، كذلك الإسلام لا يصلح إلاّ بالكف عن محارم الله تعالى والأعمال الصالحة " . { كَآفَّةً } جميعاً وهي مأخوذة من كففت الشيء إذا منعته وضممت بعضه إلى بعض ، ومنه قيل لحاشية القميص كفة ، لأنها تمنعه من أن ينتشر وكل مستطيل فحرفه كفة بالضم وكل مستدير فحرفه كفة بالكسر ، نحو كفة الميزان ، ومنه قيل للراحة مع الأصابع كفة لأنه يكفّ بها عن سائر البدن ، ورجل مكفوف أي كفَّ بصره من النظر فمعنى الكافة هو ان ينتهي إليه ويكفه من أن يجاوزه . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي أثاره ونزعاته فيما بيّن لكم من تحريم السبت ولحم الجمل وغيره { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } .

الشعبي عن جابر بن عبد الله : إن عمر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنّا نسمع أحاديث من يهود [ قد أخذت بقلوبنا ] أن نكتب بعضها ؟ فقال : أمتهوكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حياً ما وسعه إلاّ اتباعي " .