لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه ، وذلك لما أسلموا قاموا على تعظيم شرائع موسى فعظموا السبت وكرهوا لحوم الإبل وألبانها ، وقالوا : إن ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام وواجب في التوراة ، وقالوا أيضاً : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله دعنا فلنقم به في صلاتنا بالليل ، فأنزل الله هذه الآية وأمرهم أن يدخلوا في السلم أي في شرائع الإسلام ولا يتمسكوا بالتوراة فإنها منسوخة . والمعنى استسلموا لله وأطيعوه فيما أمركم به وقيل هو خطاب لمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب . والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في السلم كافة أي في الإسلام . وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود وتعجبنا فنرى أن نكتب بعضها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو أن موسى حي ما وسعه إلاّ اتباعي " قوله أتتهوكون أي تتحيرون أنتم في دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى ، وقوله لقد جئتكم بها يعني بالملة الحنيفية بيضاء نقية ، أي لا تحتاج إلى شيء ، وقيل يحتمل أن يكون خطاباً للمنافقين من المؤمنين ، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا في السلم أي الانقياد والطاعة لأن أصل السلم الاستسلام ، وهو الانقياد كافة ، أي بأجمعكم ولا تتفرقوا ، وقيل يحتمل أن يرجع إلى الإسلام والمعنى ادخلوا في أحكام الإسلام وشرائعه كافة وهذا المعنى أليق بظاهر التفسير لأنهم أمروا بالقيام بها كلها . قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : للإسلام ثمانية أسهم فعل الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال : وقد خاب من لا سهم له { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } يعني آثاره فيما زين لكم من تحريم السبت ولحوم الإبل وغير ذلك ، وقيل : لا تلتفتوا إلى الشبهات التي يلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية والأهواء المضلة لأن من اتبع سنة إنسان فقد تبع آثره { إنّه لكم عدو مبين } يعني الشيطان . فإن قلت عداوته بإيصال الضرر وإلقاء الوسوسة فكيف يصح ذلك مع الاعتقاد ، فإن الله هو الفاعل لجميع الأشياء ، قلت : إنه يحاول إيصال الضرر والبلاء إلينا ، ولكن الله منعه عن ذلك وأما معنى الوسوسة فمعلوم أنه يزين المعاصي وإلقاء الشبهات ، وكل سبب لوقوع الإنسان في مخالفة الله تعالى فيصده بذلك عن الثواب ، فهذا من أعظم جهات العداوة . فإن قلت : كيف يصح وصف الشيطان بأنه مبين مع أنا لا نراه ؟ قلت : إن الله تعالى بين عداوته ما هي فكأنه بين وإن لم يشاهد .