إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم } أي الاستسلام والطاعةِ ، وقيل الإسلام ، وقرئ بفتح السين وهو لغة فيه وبفتح اللام أيضاً ، وقوله تعالى : { كَافَّةً } حال من الضمير في ادخُلوا أو من السِّلم أو منهما معاً في قوله : [ الطويل ]

خرجتُ بها تمشي تجرُّ وراءَنا *** على أَثَريْنا ذيلَ مِرْطٍ مُرَجَّل{[93]}

وهي في الأصل اسمُ الجماعة تكفُّ مُخالِفَها ثم استعملت في معنى جميعاً وتاؤُها ليست للتأنيث حتى يُحتاجَ إلى جعل السِّلم مؤنثاً مثلَ الحربِ كما في قوله عزَّ وجل : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا } [ الأنفال ، الآية 61 ] وفي قوله : [ البسيط ]

السلمُ تأخذُ منها ما رضِيتَ به *** والحربُ يكفيك من أنفاسها جُرَعُ{[94]}

وإنَّما هي للنقل كما في عامة وخاصة وقاطبة والمعنى استسلموا لله تعالى وأطيعوه جملةً ظاهراً وباطناً ، والخطابُ للمنافقين أو ادخُلوا في الإسلام بكلّيته ولا تخلِطوا به غيَره ، والخطابُ لمؤمني أهلِ الكتاب فإنهم كانوا يراعون بعضَ أحكام دينهم القديمِ بعد إسلامِهم ، أو في شرائع الله تعالى كلِّها بالإيمان بالأنبياء عليهم السلام والكتبِ جميعاً والخطابُ لأهل الكتاب كلِّهم ، ووصفُهم بالإيمان إما على طريقة التغليب وإما بالنظر إلى إيمانهم القديم ، أو في شعب الإسلام وأحكامِه كلِّها فلا يُخِلوا بشيء منها والخطاب للمسلمين وإنما خوطب أهلُ الكتاب بعنوان الإيمان مع أنه لا يصحّ الإيمانُ إلا بما كلَّفوه الآن إيذاناً بأن ما يدّعونه لا يتمّ بدونه { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان } بالتفرُّق والتفريقِ أو بمخالفة ما أُمرتم به { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } ظاهرُ العداوة أو مُظْهِرٌ لها وهو تعليلٌ للنهي أو الانتهاءِ .


[93]:وهو لامرئ القيس في ديوانه ص 14 وخزانة الأدب 11/427 والدرر 4/10 ولسان العرب 5/246 (نير) وقد ورد في المعجم المفصل بلفظ أمشي محل تمشي وبلفظ مرجل وفي آخر بلفظ مرحل.
[94]:وهو لعباس بن مرداس في ديوانه ص 86؛ ولسان العرب 6/3 (أبس) وأساس البلاغة (جرع) وبلا نسبة في المخصص 15/74.