الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ )( {[6714]} ) [ 206 ] .

/قال ابن عباس : " السَّلْمُ –بالكسر- الإسلام " ( {[6715]} ) ، وهو قول أبي عمرو( {[6716]} ) .

وَ( {[6717]} )السَّلْمُ –بالفتح- المسالمة والصلح( {[6718]} ) . فعلى هذا يكون الكسر هنا أقوى وأحسن لأن الخطاب للمؤمنين ، فليس( {[6719]} ) للصلح وجه . وأهل اللغة يسوون بينهما( {[6720]} ) ، /قاله الكسائي وغيره( {[6721]} ) ، ومعنى أمره إياهم بالدخول في الإسلام وهم مؤمنون على قول الضحاك( {[6722]} ) ، إنه( {[6723]} ) إنما خاطب من آمن بالأنبياء أن يؤمنوا بمحمد [ عليه السلام ]( {[6724]} ) .

وقال عكرمة : " نزلت في ابن سلام( {[6725]} ) وابني كعب : أسد وأسيد ، قالوا بعد إسلامهم لرسول الله [ عليه السلام ]( {[6726]} ) : إن السبت كان مفروضاً فأذن لنا أن نسبت( {[6727]} ) وإن التوراة كتاب الله ، فأذن لنا أن نحكم( {[6728]} ) بها فأنزل الله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ ) ، أي في الإسلام( {[6729]} ) .

( كَافَّةً ) : أي في جميعه ، فيكون " ( كَافَّةً ) " على هذا القول حالاً من السلم( {[6730]} ) .

وقيل : هي( {[6731]} ) مخاطبة لجميع من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومعناها : ادخلوا في جميع شرائع الإسلام وحدوده( {[6732]} ) .

وقيل : نزلت في عبد( {[6733]} ) الله بن سلام كان يقيم شرائع التوراة وشرائع القرآن ، فأنكر ذلك [ عليه المسلمون ]( {[6734]} ) ، فقال : أنا أقوى على هذا ، فنزلت الآية فترك ما كان عليه ورجع إلى شرائع( {[6735]} ) الإسلام وما في القرآن( {[6736]} ) .

واختار الطبري قراءة الكسر في السلم( {[6737]} ) .

ويختار أن يكون مخاطبة للمؤمنين بمحمد [ عليه السلام ]( {[6738]} ) وأن الصلح لا معنى له على هذا ، واختار ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ )( {[6739]} )( {[6740]} ) لأنهم دعوه( {[6741]} ) إلى الصلح ، وليس في القرآن موضع أمر الله فيه المؤمنين بأن يبتدئوا بالصلح ، إنما أمرهم بذلك إذا بدأهم به المشركون ورغبوا فيه ، فلذلك يختار( {[6742]} ) الكسر في البقرة لأنا لو فتحنا لأوجبنا أن الله أمر المؤمنين أن يبدأوا( {[6743]} ) المشركين بالصلح ، ويختار الفتح( {[6744]} ) في " الأنفال " لأنه قال : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ )( {[6745]} )/أي ابتدأوا وطلبوا ذلك منكم ، فافعل ما سألوا وتوكل على الله( {[6746]} ) .

وإذا كان التأويل أن المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أمروا( {[6747]} ) بذلك أو بعضهم ، فيكون ( كَافَّةً ) حالاً من السلم على معنى : " ادخلوا في الشرائع كافة " ، أي( {[6748]} ) في جميعها . وإذا كان التأويل أن المؤمنين بالأنبياء –صلوات الله عليهم- الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أمروا بالإيمان لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون " كافة " حالاً من المأمورين ، أي ادخلوا جميعاً .

وقال ابن عباس : " هم أهل الكتاب أمروا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بالدخول في شرائعه( {[6749]} ) .

ومعنى " كافة " الإحاطة والعموم ، من " كَفَفْتُ فلاناً عن/كذا " ، منعته ، ومنه " رجل مَكْفُوفٌ " أي ممنوع من النظر ، ومنه " كَفَّةٌ الميزان " لأنها تَكُفُّ الأخرى ، أي تمنعها من أن تميل بها . ومنه سمي الكَفُّ لأنه يمتنع بها( {[6750]} ) .

فمعناه على هذا إذا جعلت حالاً من الضمير : لا يمتنع منكم أحد أن يكف بعضهم بعضاً من الامتناع( {[6751]} ) .

ومن جعله( {[6752]} ) حالاً من " السلم " ، فمعناه : تمنعكم هذه الشرائع من اتباع غيرها .

قوله/ : ( خُطْوَاتِ الشَّيْطَانِ ) [ 206 ] . أي آثاره .

وقال الضحاك : " هي الخطايا( {[6753]} ) التي يأمر بها " .


[6714]:- في ع3: السلم كافة.
[6715]:- انظر: جامع البيان 4/252، وتفسير القرطبي 3/22. وهو أيضاً قول مجاهد وأبي عبيدة والأخفش وابن قتيبة. انظر: تفسير مجاهد 1/104، ومجاز القرآن 1/71، ومعاني الأخفش 1/167، وتفسير الغريب 80.
[6716]:- والسِّلم بكسر السين قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة وابن عامر، وقرأها بالفتح: نافع وابن كثير والكسائي. انظر: كتاب السبعة 180، والتبصرة 160، والكشف 1/287، والتيسير 80، والعنوان 83، والحجة 130، والنشر 2/237، وتحبير التيسير 91.
[6717]:- سقط حرف الواو من ع2، ق، ع3.
[6718]:- انظر هذا التوجيه: في مجاز القرآن 1/71، وتفسير الغريب 81، والإملاء 1/90.
[6719]:- في ع3: ليس.
[6720]:- انظر: اللسان 2/192.
[6721]:- انظر: تفسير الغريب 81، وإعراب القرآن 1/252، وتفسير القرطبي 3/23.
[6722]:- انظر: قوله في جامع البيان 4/256.
[6723]:- سقط من ع3.
[6724]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6725]:- في ع1، ع2، ح، ق: سالم. وتصويبه من ع3، ومن جامع البيان 4/255.
[6726]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6727]:- في ع2: السبت، وفي ق: سبت.
[6728]:- في ق: تحكم.
[6729]:- انظر: جامع البيان 4/255، ولباب النقول 41، والدر المنثور 1/579.
[6730]:- انظر: هذا التوجيه في الإملاء 1/90، وتفسير القرطبي 3/23.
[6731]:- سقط من ق.
[6732]:- انظر: جامع البيان 4/255، وتفسير ابن كثير 1/247.
[6733]:- في ع3: عند، وهو تصحيف.
[6734]:- في ع3: المسلمون عليه.
[6735]:- في ع3: الشرائع.
[6736]:- انظر: أسباب النزول 60، وتفسير القرطبي 3/24.
[6737]:- انظر: جامع البيان 4/253.
[6738]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6739]:- الأنفال آية 62.
[6740]:- في ع3: للسلم فاجنح لها.
[6741]:- في ع2: دعوة، وهو تصحيف.
[6742]:- سقط من ق.
[6743]:- في ق: يبدو. وفي ع3: يبتدئوا.
[6744]:- وهي قراءة السبعة إلا عاصم في رواية أبي بكر. انظر: كتاب السبعة 180-181، والنشر 2/227.
[6745]:- الأنفال آية 62.
[6746]:- انظر: هذا الاختيار في جامع البيان 4/253-254.
[6747]:- في ق: مروا.
[6748]:- في ق: أو، وهو تحريف.
[6749]:- انظر: جامع البيان 4/256، وتفسير القرطبي 3/23.
[6750]:- انظر: مفردات الراغب 450، وتفسير القرطبي 3/23-24، واللسان 3/273.
[6751]:- ذكره مكي أيضاً في مشكل الإعراب 1/125.
[6752]:- في ق: جملة. وهو تحريف.
[6753]:- في ق: الخطاب. وهو تحريف.