فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف : مؤمنين ، وكافرين ، ومنافقين ، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة . وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان ؛ لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم ، وكتابهم ، والمنافق مؤمن بلسانه ، وإن كان غير مؤمن بقلبه . و { السلم } بفتح السين وكسرها قال الكسائي : ومعناهما واحد ، وكذا عند البصريين ، وهما جميعاً يقعان للإسلام ، والمسالمة . وقال أبو عمرو بن العلاء : إنه بالفتح للمسالمة ، وبالكسر للإسلام . وأنكر المبرد هذه التفرقة . وقال الجوهري : { السلم } بفتح السين : الصلح ، وتكسر ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام ، والانقياد . ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ، ومنه قول الشاعر الكندي :

دَعَوْتُ عَشِيرَتِي للِسِّلم لَمّا *** رَأيْتُهمُ تَوَلَّوا مُدْبِرين

أي : إلى الإسلام . وقرأ الأعمش : «السَّلمَ » بفتح السين ، واللام . وقد حكى البصريون في سَلْم ، وسِلْم ، وسلم أنها بمعنى واحد : { وكافة } حال من { المسلم } ، أو من ضمير المؤمنين ، فمعناه على الأوّل : لا يخرج منكم أحد ، وعلى الثاني : لا يخرج من أنواع السلم شيء بل ادخلوا فيها جميعاً . أي : في خصال الإسلام ، وهو مشتق من قولهم كففت أي : منعت ، أي : لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام ، والكفّ : المنع ، والمراد به هنا : الجميع { ادخلوا فِي السلم كَافَّةً } أي : جميعاً . وقوله : { وَلاَ تَتَّبِعُوا خطوات الشيطان } أي : لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان ، وقد تقدّم الكلام على خطوات .

/خ210