5- اليوم - منذ نزول هذه الآية - أحل الله لك كل طيب تستطيبه النفوس السليمة ، وأحل لكم طعام أهل الكتاب ، وذبائحهم ، مما لم يرد نص بتحريمه ، كما أحل لهم طعامكم ، وأحل لكم زواج الحرائر والعفائف من المؤمنات ومن أهل الكتاب ، إذا أديتم لهن مهورهن قاصدين الزواج ، غير مستبيحين العلاقات غير الشرعية علانية ، أو بطريق اتخاذ الخلائل . ومن يجحد الدين فقد ضاع ثواب عمله الذي كان يظن أنه قربى ، وهو في الآخرة من الهالكين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{اليوم أحل لكم الطيبات}، يعني الحلال، أي الذبائح من الصيد، {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}، يعني بالطعام ذبائح الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى، ذبائحهم ونساؤهم حلال للمسلمين، {وطعامكم حل لهم}، يعني ذبائح المسلمين وذبائح نسائهم حلال لليهود والنصارى، ثم قال عز وجل: {والمحصنات من المؤمنات}: وأحل لكم تزويج العفائف من المؤمنات، {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}: وأحل تزويج العفائف من حرائر نساء اليهود والنصارى، نكاحهن حلال للمسلمين، {إذا آتيتموهن أجورهن}: إذا أعطيتموهن مهورهن، {محصنين} لفروجهن من الزنا، {غير مسافحين}: غير معلنات بالزنا علانية، {ولا متخذي أخدان}: لا تتخذ الخليل في السر فيأتيها، فلما أحل الله عز وجل نساء أهل الكتاب، قال المسلمون: كيف نتزوجهن وهن على غير ديننا، وقالت نساء أهل الكتاب: ما أحل الله تزويجنا للمسلمين إلا وقد رضي أعمالنا، فأنزل الله عز وجل: {ومن يكفر بالإيمان}: من نساء أهل الكتاب بتوحيد الله، {فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}: من الكافرين.
{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5]. 326- ابن العربي: قال مالك: تؤكل ذبائحهم المطلقة، إلا ما ذبحوا يوم عيدهم لأنصابهم. 327- يحيى: قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية، لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات.
{وَطَعَامُ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} فاحتمل ذلك: الذبائح، وما سواها: من طعامهم الذي لم نعتقده محرما علينا. فآنيتهم أولى أن لا يكون في النفس منها شيء إذا غُسِلَتْ. (أحكام الشافعي: 2/103.)
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمُ}: الحرائر من أهل الكتاب، غير ذوات الأزواج {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} عفائف غير فواسق. (أحكام الشافعي: 2/184-185)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"اليَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّباتُ": اليوم أحلّ لكم أيها المؤمنون الحلال من الذبائح والمطاعم، دون الخبائث منها.
"وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ": وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل، وأنزل عليهم، فدانوا بهما أو بأحدهما "حِلّ لَكُمْ": حلال لكم أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام، فإن من لم يكن منهم ممن أقرّ بتوحيد الله عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام عليكم ذبائحهم.
ثم اختلف فيمن عنى الله عزّ ذكره بقوله: "وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ"، من أهل الكتاب؟
فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبيحة كلّ ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل، أو ممن دخل في ملتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.
وقال آخرون: إنما عَنَى بالذين أوتوا الكتاب في هذه الآية، الذين أنزل عليهم التوراة والإنجيل، من بني إسرائيل وأبنائهم، فأما من كان دخيلاً فيهم من سائر الأمم ممن دان بدينهم وهم من غير بني إسرائيل، فلم يُعْنَ بهذه الآية وليس هو ممن يحلّ أكل ذبائحه لأنه ليس ممن أوتى الكتاب من قَبْل المسلمين. وهذا قول كان محمد بن إدريس الشافعيّ يقوله حدثنا بذلك عنه الربيعّ ويتأوّل في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين... قال عليّ رضوان الله عليه: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر... وهذه الأخبار عن عليّ رضوان الله عليه، إنما تدلّ على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب من أجل أنهم ليسوا على النصرانية، لتركهم تحليل ما تحلل النصارى وتحريم ما تحرّم غير الخمر، ومن كان منتحلاً ملة هو غير متمسك منها بشيء، فهو إلى البراءة منها أقرب إلى اللحاق بها وبأهلها، فلذلك نهى عليّ عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب، لا من أجل أنهم ليسوا من بني إسرائيل. فإذا كان ذلك كذلك، وكان إجماعا من الحجة إحلال ذبيحة كلّ نصرانيّ ويهوديّ، إن انتحل دين النصارى أو اليهود، فأحلّ ما أحلوا، وحرّم ما حرّموا من بني إسرائيل كان أو من غيرهم، فبّين خطأ ما قال الشافعي في ذلك وتأويله الذي تأوّله في قوله: "وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ": أنه ذبائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنجيل من بني إسرائيل، وصواب ما خالف تأويله ذلك، وقول من قال: إن كل يهوديّ ونصرانيّ فحلال ذبيحته من أيّ أجناس بني آدم كان.
وأما الطعام الذي قال الله: "وَطَعامُ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ "فإنه الذبائح.
"وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ": ذبائحكم أيها المؤمنون حل لأهل الكتاب.
"والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِنات والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتَابَ أُوتُوا مِنْ قَبْلِكُمْ إذا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ": والمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِناتِ أحلّ لكم أيها المؤمنون المحصنات من المؤمنات وهنّ الحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ، "والمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ": والحرائر من الذين أعطوا الكتاب، وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس، أن تنكحوهنّ أيضا "إذا آتَيْتُمُوهُنّ أجُورَهُنّ": إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهنّ، وهي مهورهن.
واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي عناهنّ الله عزّ ذكره بقوله: "والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِين أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ"؛ فقال بعضهم: عني بذلك الحرائر خاصة، فاجرة كانت أو عفيفة. وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرّة مؤمنة كانت أو كتابية من اليهود والنصارى من أيّ أجناس كانت، بعد أن تكونَ كتابية فاجرة كانت أو عفيفة، وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لأن الله جلّ ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيمان بقوله: "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ"... عن عامر: أن رجلاً من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة، فأمرت الشفرة على أوداجها، فأدركت، فدُووي جرحها حتى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلّسها، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه، فأتى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذ أتاك رجل صالح ترضاه فزوّجها إياه.
وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: "والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ": العفائف من الفريقين، إماء كنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية، وحرّموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب... عن عامر: "والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ "قال: إحصان اليهودية والنصرانية: أن لا تزني وأن تغتسل من الجنابة.
ثم اختلف أهل التأويل في حكم قوله عزّ ذكره: "والمُحْصَنات مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ" أعامّ أم خاصّ؟
فقال بعضهم: هو عامّ في العفائف منهنّ، لأن المحصنات العفائف، وللمسلم أن يتزوّج كلّ حرّة وأمة كتابية حربية كانت أو ذمية. واعتلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: "والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ" وأن المعنيّ بهنّ: العفائف كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عني بالمحصنات في هذا الموضع: العفائف.
وقال آخرون: بل اللواتي عنى بقوله جلّ ثناؤه: "والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ": الحرائر منهنّ.
والآية عامة في جميعهنّ، فنكاح جميع الحرائر اليهود والنصارى جائز، حربيات كنّ أو ذميات، من أيّ أجناس اليهود والنصارى كنّ، وهذا قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
وقال آخرون منهم: بل عني بذلك: نكاح بني إسرائيل الكتابيات منهنّ خاصة دون سائر أجناس الأمم الذين دانوا باليهودية والنصرانية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.
وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من المسلمين ذمة وعهد، فأما أهل الحرب فإن نساءهم حرام على المسلمين... وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: عني بقوله: "والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ": حرائر المؤمنين وأهل الكتاب، لأن الله جلّ ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال التي أباحهنّ لهم إلاّ أن يكنّ مؤمنات، فقال عزّ ذكره: "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أن يَنْكحَ المُحْصَناتِ المُؤمِناتِ فَمِمّا مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤمِناتِ"، فلم يبح منهنّ إلاّ المؤمنات، فلو كان مرادا بقوله: "والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ": العفائف، لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة، وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان. وقد أحل الله لنا حرائر المؤمنات، وإن كنّ قد أتين بفاحشة بقوله: "وأنْكحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وإمائكم"، وقد دللنا على فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين في موضع غير هذا بما أغني عن إعادته في هذا الموضع، فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين، كنّ قد أتين بفاحشة أو لم يأتين بفاحشة، ذمية كانت أو حربية، بعد أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر، بظاهر قول الله جلّ وعزّ: "والمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ". فأما قول الذي قال: عنى بذلك نساء بني إسرائيل الكتابيات منهن خاصة، فقول لا يوجب التشاغل بالبيان عنه لشذوذه والخروج عما عليه علماء الأمة من تحليل نساء جميع اليهود والنصارى.
"إذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ" فإن الأجر: العوض الذي يبذله الزوج للمرأة للاستمتاع بها، وهو المهر.
"مُحْصِنِينَ غيرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتّخِذِي أخْدَانٍ": أحلّ لكم المحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متخذي أخدان. ويعني بقوله جلّ ثناؤه: "مُحْصِنِين": أعفاء غيرَ مُسافِحِينَ يعني: لا معالنين بالسفاح بكل فاجرة وهو الفجور، "وَلا مُتخِذِي أخْدَانٍ": ولا منفردين ببغية واحدة قد خادنها وخادنته واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها... عن ابن عباس، قوله: مُحْصِنِينَ غيرَ مُسافِحِينَ يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة، غَيْر مُسَافِحِينَ متعالنين بالزنا، وَلا مُتّخِذِي أخْدَانٍ يعني: يُسِرّون بالزنا.
عن الحسن، قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله المسلمات؟ فإن كان لا بد فاعلاً، فليعمد إليها حصانا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتبعته.
"وَمَنْ يَكْفُرْ بالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمَلُهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ": ومن يجحد ما أمر الله بالتصديق به من توحيد الله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، وهو الإيمان الذي قال الله جلّ ثناؤه: "وَمَنْ يَكْفُرْ بالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" يقول: فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله في الدنيا، يرجو أن يدرك به منزلة عند الله. "وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الخاسرِينَ": وهو في الاَخرة من الهالكين الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بمحمد وعملهم بغير طاعة الله. وقد ذكر أن قوله: "وَمَنْ يَكْفُرْ بالإيمَانِ" عُني به أهل الكتاب، وأنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم تحرجّوا نكاح نساء أهل الكتاب لما قيل لهم: "أُحِلَ لَكُمُ الطّيّباتُ وطَعَامُ الذّين أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ والمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ والمُحصَنَاتُ مِنَ الّذين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ"... فإن قال لنا قائل: وما وجّه تأويل من وجّه قوله: "وَمَنْ يَكْفُرْ بالإيمَانِ" إلى معنى: ومن يكفر بالله؟ قيل وجه تأويله ذلك كذلك أن الإيمان هو التصديق بالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه، والكفر: جحود ذلك. قالوا: فمعنى الكفر بالإيمان، هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلمة بما أريد بها، وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التلاوة.
فإن قال قائل: فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها؟
قيل: تأويلها: ومن يأب الإيمان بالله ويمتنع من توحيده والطاعة له فيما أمره به ونهاه عنه، فقد حبط عمله، وذلك أن الكفر هو الجحود في كلام العرب، والإيمان: التصديق والإقرار، ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به فهو من الكافرين، فذلك تأويل الكلام على وجهه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{اليوم أحل لكم الطيبات} يحتمل قوله: {اليوم} [كونه] حرف افتتاح يفتتح [به] الكلام، لا إشارة إلى وقت مخصوص على ما ذكرنا في قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وقد يتكلم باليوم لا على إشارة وقت مشار إليه، وهو والله أعلم، ما حرم عليهم من ثمانية الأزواج التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنعام، وهو قوله تعالى: {ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} [الآية: 143] إلى آخر ما ذكر، ثم قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها} الآية [الأنعام: 146]، وما حرموا هم على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغيرها من المحرمات التي كانت، فأحل الله ذلك، فقال: {اليوم أحل لكم الطيبات} وكانت محرمة عليهم قبل ذلك. لكن أهل التأويل صرفوا الآية إلى الذبائح، لم يصرفوا إلى ما ذكرنا: المعنى الذي به صارت الذبائح طيبات في ما تقدم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ليس الطَّيِّبُ ما تستطيبه النفوس، ولكن الطيب ما يوجد فيه رضاء الحق -سبحانه- فتوجد عند ذلك راحةُ القلوب.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}: القَدْرُ الذي بيننا وبينهم من الوفاق في إثبات الربوبية لم يَعْرَ من أثرٍ في القربة فقال الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82]. وكذلك الأمر في المحصنات من نسائهم. وأُحِلَّ الطعامُ والذبيحةُ بيننا وبينهم من الوجهين فيحلّ لنا أكل ذبائحهم، ويجوز لنا أن نطعمهم من ذبائحنا، ولكن التزوج بنسائهم يجوز لنا، ولا يجوز تزوجهم بنسائنا لأن الإسلام يعلو ولا يُعْلَى.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قال الزجاج: معنى قوله: (ومن يكفر بالإيمان) يعني: بتحليل الحرام، وتحريم الحلال، أي: ومن يستحل الحرام، أو يحرم الحلال (فقد حبط عمله) وهذا أقرب إلى نظم الآية في الإباحات، وتحليل المحرمات.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{اليوم أحل لكم الطيبات} إشارة إلى الزمن والأوان، والخطاب للمؤمنين، وتقدم القول في {الطيبات} وقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} ابتداء وخبر، و {حل} معناه حلال، والطعام في هذه الآية الذبائح كذا قال أهل التفسير، وذلك أن الطعام الذي لا محاولة فيه كالُبر والفاكهة ونحوه لا يضر فيه وُيحرم عينه تَمَلُّك أحد. والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين: فمنه ما محاولته صنعة لا تعلق للدين بها كخبز الدقيق وتعصير الزيت ونحوه فهذا إن ُتجُنب من الذمي فعلى جهة التقزز. والضرب الثاني هي التزكية التي هي محتاجة إلى الدين والنية فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم كما تقول: إنهم لا صلاة لهم ولا صوم ولا عبادة مقبولة رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة وأخرجها بالنص عن القياس.
قوله تعالى: {وهو في الآخرة من الخاسرين} مشروط بشرط غير مذكور في الآية، وهو أن يموت على ذلك الكفر؛ إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين، والدليل على أنه لابد من هذا الشرط قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} الآية.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار، ولا يطلق على مسلم أنه من أهل الكتاب، كما لا يطلق عليه يهودي ولا نصراني. فأما الآيتان فأطلق الاسم مقيداً بذكر الإيمان فيهما، ولا يوجد مطلقاً في القرآن بغير تقييد إلا والمراد بهم اليهود والنصارى. وأيضاً فإنه قال: والمحصنات من المؤمنات، فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممن كن مشركات أو كتابيات، فوجب أن يحمل قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وإلاّ زالت فائدته، إذ قد اندرجن في قوله: والمحصنات من المؤمنات. وأيضاً فمعلوم من قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} أنه لم يرد به طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب، بل المراد اليهود والنصارى، فكذلك هذه الآية.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان قد تقدم النهي عن نكاح المشركات، والمنافرة لجميع أصناف الكفار، وبيان بغضهم وعداوتهم، والحث على طردهم ومنابذتهم
{هآ أنتم أولاء تحبونهم} [آل عمران: 119] ونحوها لضعف الأمر إذ ذاك وشدة الحاجة إلى إظهار الفظاظة والغلظة لهم لتعظيم دين الله، حتى كانت خلطتهم من أمارات النفاق. كما سيأتي في كثير من آيات هذه السورة، وكان الدين وصل عند نزولها من العظمة إلى حد لا يحتاج في إلى تعظيم معظم، وكانت مخالطة أهل الكتاب لا بد منها عند فتوح البلاد التي وعد الصادق بها وسبق في الأزل علمها، فكانت الفتنة في مخالطتهم قد صارت في حد الأمن وسّع الأمر بحل طعامهم ونسائهم، فقال تعالى مكرراً ذكر الوقت الذي أنزل فيه هذه الآيات، تنبيهاً على عظم النعمة فيه بتذكر ما هم فيه من الكثرة والأمن والجمع والألفة، وتذكر ما كانوا فيه قبل ذلك من القلة والخوف والفرقة، فقال معيداً لصدر الآية التي قبلها إعلاماً بعظم النعمة فيه، ومفيداً بذكر وقت الإحلال أنه إحلال مقصود به الثبات، لكونه يوم إتمام النعمة فهو غير الأول: {اليوم}.
ولما كان القصد إنما هو الحل، لا كونه من محل معين، مع أن المخاطبين بهذه الآيات يعلمون أنه لا محل إلا الله، بني الفعل للمجهول فقال: {أحل} أي ثبت الإحلال فلا ينسخ أبداً {لكم} أي أيها المؤمنون {الطيبات} أي التي تقدم في البقرة وصفها بالحل لزوال الإثم وملاءمة الطبع، فهي الكاملة في الطيب.
ولما كانت الطيبات أعم من المآكل قال: {وطعام الذين} ولما كان سبب الحل الكتاب، ولم يتعلق بذكر مؤتيه غرض، بني الفعل للمجهول فقال: {أوتوا الكتاب} أي مما يصنعونه أو يذبحونه، وعبر بالطعام الشامل لما ذبح وغيره وإن كان المقصود المذبوح، لا غيره، ولا يختلف حاله من كتابي ولا غيره تصريحاً بالمقصود {حل لكم} أي تناوله لحاجتكم، أي مخالطتهم للإذن في إقرارهم على دينهم بالجزية، ولما كان هذا مشعراً بإبقائهم على ما اختاروا لأنفسهم زاده تأكيداً بقوله: {وطعامكم حل لهم} أي فلا عليكم في بذله لهم ولا عليهم في تناوله.
ولما كانت الطيبات أعم من المطاعم وغيرها، وكانت الحاجة إلى المناكح بعد الحاجة إلى المطاعم، وكانت المطاعم حلالاً من الجانبين والمناكح من جانب واحد قال: {والمحصنات} أي الحرائر {من المؤمنات} ثم أكد الإشارة إلى إقرار أهل الكتاب فقال: {والمحصنات} أي الحرائر {من الذين أوتوا الكتاب} وبني الفعل للمفعول للعلم بمؤتيه مع أنه لم يتعلق بالتصريح به غرض.
ولما كان إيتاؤهم الكتاب لم يستغرق الزمن الماضي، أثبت الجار فقال: {من قبلكم} أي وهم اليهود والنصارى، وعبر عن العقد بالصداق للملابسة فقال مخرجاً للأمة لأنها لا تعطى الأجر وهو الصداق، لأنها لا تملكه بل يعطاه سيدها: {إذا آتيتموهن أجورهن} أي عقدتم لهن، ودل مساق الشرط على تأكد وجوب الصداق، وأن من تزوج وعزم على عدم الإعطاء، كان في صورة الزاني، وورد فيه حديث، وتسميته بالأجر تدل على أنه لا حد لأقله.
ولما كان المراد بالأجر المهر، وكان في اللغة يطلق على ما يعطاه الزانية أيضاً، بينه بقوله: {محصنين} أي قاصدين الإعفاف والعفاف {غير مسافحين} أي قاصدين صب الماء لمجرد الشهوة جهاراً {ولا متخذي أخذان} أي صدائق لذلك في السر، جمع خدن، وهو يقع على الذكر والأنثى، فكانت هذه الآية مخصصة لقوله تعالى
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [البقرة: 221] فبقي على التحريم مما تضمنته تلك ما عدا الكتابيات من الوثنيات وغيرهن من جميع المشركات حتى المنتقلة من الكتابيات من دينها إلى غير دين الإسلام، وصرح هنا بالمؤمنات المقتضي لهن قوله تعالى في النساء
{وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24] وقوله
{ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} [النساء: 25]، ولعل ذكر وصف الإحصان الواقع على العفة للتنبيه على أنه لا يقصد المتصفة بغيره لمجرد الشهوة إلا من سلب الصفات البشرية، وأخلد إلى مجرد الحيوانية، فصار في عداد البهائم، بل أدنى، مع أن التعليق بذلك الوصف لا يفهم الحرمة عند فقده، بل الحل من باب الأولى، لأن من حكم مشروعية النكاح الإعفاف، فإذا شرع إعفاف العفائف كان شرع إعفاف غيرهن أولى، لأن زناها إما لشهوة أو حاجة، وكلاهما للنكاح مدخل عظيم في نفيه. والله أعلم.
ولما كان السر في النهي عن نكاح المشركات في الأصل ما يخشى من الفتنة، وكانت الفتنة -وإن علا الدين روسخ الإيمان واليقين. لم تنزل عن درجة الإمكان، وكانت الصلاة تسمى إيماناً لأنها من أعظم شرائعه
{وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] أي صلاتكم، وروى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله "وله في الأوسط أيضاً بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة ينظر في صلاته، فإن صلحت فقد أفلح، وإن فسدت فقد خاب وخسر "وكانت مخالطة الأزواج مظنة للتكاسل عنها، ولهذا أنزلت آية
{حافظوا على الصلوات} [البقرة: 238] كما مضى بالمحل الذي هي به، لما كان ذلك كذلك ختمت هذه الآية بقوله تعالى منفراً من نكاحهن بعد إحلاله، إشارة إلى أن الورع ابتعد عنه، امتثالاً للآيات الناهية عن موادة المحاد لئلا يحصل ميل فيدعو إلى المتابعة، أو يحصل ولد، فتستميله لدينها: {ومن} أي أحل لكم ذلك والحال أنه من {يكفر} أي يوجد ويجدد الكفر على وجه طمأنينة القلب به والاستمرار عليه إلى الموت {بالإيمان} أي بسبب التصديق القلبي بكل ما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب، الذي منه حل الكتابيات، فيدعوه ذلك إلى نكاحهن، فتحمله الخلطة على اتباع دينهن، فيكفر بسبب ذلك التصديق فيكفر بالصلاة التي يلزم من الكفر بها الكفر به، فإطلاقه عليها تعظيم لها
وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] أي صلاتكم {فقد حبط} أي فسد {عمله} أي إذا اتصل ذلك بالموت بدليل قوله: {وهو في الآخرة من الخاسرين}... وإذا تأملت جميع ذلك، وأمعنت فيه النظر لاح لك سرُّ تعقيبها بقوله تعالى في سياق مشير إلى البشارة بأن هذه الأمة تطيع ولا تعصى فتؤمن ولا تكفر، لما خص به كتابها من البيان الأتم في النظم المعجز مع شرف التذكير بما أفاضه من شرف جليل الأيادي، فافتتح هذه السورة بالأمر بالوفاء بحق الربوبية، وأتبعه التذكير بما وفى به سبحانه من حق الربوبية من نوع المنافع في لذة المطعم وتوابعه ولذة المنكح وتوابعه، وقدم المطعم لأن الحاجة إليه فوق الحاجة إلى المنكح.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
كرر تعالى إحلال الطيبات لبيان الامتنان، ودعوة للعباد إلى شكره والإكثار من ذكره، حيث أباح لهم ما تدعوهم الحاجة إليه، ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات...
والدليل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم، أن الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لأهل الكتاب فيه خصوصية، بل يباح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وأيضا فإنه أضاف الطعام إليهم. فدل ذلك، على أنه كان طعاما، بسبب ذبحهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهكذا يبدأ ألوان المتاع الحلال مرة أخرى بقوله: (اليوم أحل لكم الطيبات).. فيؤكد المعنى الذي أشرنا إليه؛ ويربط بينه وبين الألوان الجديدة من المتاع. فهي من الطيبات وهنا نطلع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية؛ في التعامل مع غير المسلمين، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي "في دار الإسلام"، أو تربطهم به روابط الذمة والعهد، من أهل الكتاب.. إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية؛ ثم يعتزلهم، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين -أو منبوذين- إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية، والمودة، والمجاملة والخلطة. فيجعل طعامهم حلا للمسلمين وطعام المسلمين حلا لهم كذلك. ليتم التزاور والتضايف والمؤاكلة والمشاربة، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة.. وكذلك يجعل العفيفات من نسائهم -وهن المحصنات بمعنى العفيفات الحرائر- طيبات للمسلمين، ويقرن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات. وهي سماحة لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام من بين سائر أتباع الديانات والنحل. فإن الكاثوليكي المسيحي ليتحرج من نكاح الأرثوذكسية، أو البروتستانتية، أو المارونية المسيحية، ولا يقدم على ذلك إلا المتحللون عندهم من العقيدة! وهكذا يبدو أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي، لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الكتابية؛ ولا حواجز بين أصحاب العقائد المختلفة، التي تظلها راية المجتمع الإسلامي. فيما يختص بالعشرة والسلوك [أما الولاء والنصرة فلها حكم آخر سيجيئ في سياق السورة]. وشرط حل المحصنات الكتابيات، هو شرط حل المحصنات المؤمنات: (إذا آتيتموهن أجورهن محصنين، غير مسافحين، ولا متخذي أخدان). ذلك أن تؤدى المهور، بقصد النكاح الشرعي، الذي يحصن به الرجل امرأته ويصونها، لا أن يكون هذا المال طريقا إلى السفاح أو المخادنة.. والسفاح هو أن تكون المرأة لأي رجل؛ والمخادنه أن تكون المرأة لخدين خاص بغير زواج.. وهذا وذلك كانا معروفين في الجاهلية العربية، ومعترفا بهما من المجتمع الجاهلي. قبل أن يطهره الإسلام، ويزكيه، ويرفعه من السفح الهابط إلى القمة السامقة.. ويعقب على هذه الأحكام تعقيبا فيه تشديد، وفيه تهديد: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين..
إن هذه التشريعات كلها منوطة بالإيمان؛ وتنفيذها كما هي هو الإيمان؛ أو هو دليل الإيمان. فالذي يعدل عنها إنما يكفر بالإيمان ويستره ويغطيه ويجحده. والذي يكفر بالإيمان يبطل عمله ويصبح ردا عليه لا يقبل منه، ولا يقر عليه.. والحبوط مأخوذ من انتفاخ الدابة وموتها إذا رعت مرعى ساما.. وهو تصوير لحقيقة العمل الباطل. فهو ينتفخ ثم ينعدم أثره كالدابة التي تتسمم وتنتفخ وتموت.. وفي الآخرة تكون الخسارة فوق حبوط العمل وبطلانه في الدنيا.. وهذا التعقيب الشديد، والتهديد المخيف، يجيء على إثر حكم شرعي يختص بحلال وحرام في المطاعم والمناكح.. فيدل على ترابط جزئيات هذا المنهج؛ وأن كل جزئية فيه هي "الدين "الذي لا هوادة في الخلاف عنه، ولا قبول لما يصدر مخالفا له في الصغير أو في الكبير.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وحِكمة الرخصة في أهل الكتاب: لأنّهم على دين إلاهي يُحرّم الخبَائث، ويتقي النجاسة، ولهم في شؤونهم أحكام مضبوطة متّبعة لا تظنّ بهم مخالفتها، وهي مستندة للوحي الإلاهي، بخلاف المشركين وعبدة الأوثان...
وقوله: {وطعامكم حلّ لهم} لم يعرّج المفسّرون على بيان المناسبة بذكر {وطعامكم حلّ لهم}. والذي أراه أنّ الله تعالى نبّهنا بهذا إلى التيسير في مخالطتهم، فأباح لنا طعامهم، وأباح لنا أن نُطعمهم طعَامنا، فعُلم من هذين الحكمين أنّ علّة الرخصة في تناولنا طعامهم هو الحاجة إلى مخالطتهم، وذلك أيضاً تمهيد لقوله بعد: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} لأنّ ذلك يقتضي شدّة المخالطة معهم لتزوّج نسائهم والمصَاهرة معهم.
سبحانه يبدأ الآية بتكرار الأمر السابق:"اليوم أحل لكم الطيبات" وأعادها حتى يؤكد على أن الإنسان لا يصح أن ينظر إلى الأمر الطيب إلا من زاوية أنه محلل من الله.
وبعد أن تكلم الحق سبحانه عن كيفية تناول المحللات وأسلوب التعامل مع الصيد نأتي هنا لوقفة، فسبحانه يقول: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم"، فهل كل طعام أهل الكتاب حل لنا؟ إن بعضهم يأكل الخنزير، لا، بل الحلال من طعام أهل الكتاب وهو الطعام الذي يكون من جنس ما حلل الله لكم، ولا يستقيم أن يستنكف الإنسان من أنه طعام أهل الكتاب، لأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل من الإنسان الذي ارتبط بالسماء ارتباطا حقيقيا كالمسلمين، ومن ارتبطوا بالسماء وإن اختلف تصورهم لله، يريد سبحانه أن يكون بينهم نوع من الاتصال لأنهم ارتبطوا جميعا بالسماء، ويجب أن يعاملوا على قدر ما دخلهم من إيمان باتصال الأرض بالسماء.
إياك أن تقول بمقاطعة أهل الكتاب لا، ولكن انظر إلى طعامهم فإن كان من جنس الطعام المحلل في الإسلام فهو حلال، ولا يصح أن تمنع واحدا من أهل الكتاب من طعامك لأن الله يريد أن ينشئ شيئا من الألفة يتناسب مع الناس الذين سبق أن السماء لها تشريع فيهم ويعترفون بالإله وإن اختلفوا في تصوره.
وضرب لنا سبحانه المثل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي أول مجيء الدعوة الإسلامية واجهت معسكرا ملحدا يعبد النار، ولا يؤمن بالإله وهو معسكر فارس ومعسكرا يؤمن بالإله وهو معسكر الروم، كانت هناك قوتان في العالم: قوة شرقية وقوة غربية وعندما يأتي رسول ليأخذ الناس إلى طريق الله فلا بد أن يكون قلبه وقلوب المؤمنين مع الذين آمنوا بإله وبمنهج ورسالة، ولا يكون قلبه مع الملاحدة الذين يعبدون غير الله.
ولنر العظمة الإيمانية في الرسول عليه الصلاة والسلام نجد الذين يؤمنون بالله ويكفرون به كرسول أولى عنده ممن يكفرون بالله، ولذلك عندما قامت الحرب بين فارس والروم كانت الغلبة أولا لفارس وكانت عواطف الرسول والذين آمنوا معه مع الروم، لأنهم أقرب إلى معسكر الإيمان الوليد وإن كانوا يكفرون بمحمد فقد كانوا يؤمنون بالله، وأن هناك منهجا وهناك يوم بعث ولذلك يضربها الحق مثلا في القرآن ليعطينا عدة لقطات، وأولى هذه اللقطات هي أن المسلمين في جانب من عنده رائحة الإيمان، فيقول سبحانه: {آلم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم (5)} (سورة الروم).
وتبدأ هذه الآية بخبر عن هزيمة الروم، ثم نبوءة من الحق بأنهم سيغلبون في بضع سنين، ويوم نصرهم سيفرح المؤمنون بنصر الله، وتنظر القوة الإسلامية التي جاءت لتؤسس دينا واسعا مانعا إلى معركة بين دولتين عظيمين كلتيهما على أقصى ما يكون من الرقي الحضاري، هذه القوة الإسلامية تتعاطف مع الروم وتخزن القوة الإسلامية لأن الفرس قد غلبت فيأتي الحق بالخبر اليقين وهو ستغلب الروم.
وبالله من الذي يستطيع أن يحكم في نهاية معركة بين قوتين عظميين؟ إنه حكم لا يستغرق يوما، حتى ولو كان قائله عرف أن هناك مددا قادما للقوة التي ستنتصر، إنه حكم يستغرق بضع سنين، فمن الذي يستطيع أن يتحكم في معركة ستحدث بعد بضع سنين؟ لا يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجازف بهذا الحكم، وهو لا يعرف استعدادات كل قوة وحجم قواتها وأسلحتها، لكن الأمر يأتي كخبر موثق من الله: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين} (سورة الروم).
وهذا كلام موثق، لأنه قرآن مسطور يقرأه المؤمنون تعبدا وعندما سمع أبو بكر الصديق هذه الآية، قال: لقد أقمت رهانا بأن الروم ستنتصر بعد ثلاث سنين، وطالبه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمد مدة الرهان لأن الله قال:"في بضع سنين "والبضع ما بين الثلاث والتسع، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه فزايده في الخطر وماده في الأجل فجعلت مائة قلوص (ناقة) إلى تسع سنين، كأن هذا الأمر قد لقي الوثوق الكامل من المؤمنين، لأن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بالنصر.
لقد أوردنا ذلك هنا حتى نفهم أن عواطف الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مع الذين يؤمنون بكتاب وبرسول، ونحن هنا نجد الحق يحلل لنا مطاعمة أهل الكتاب، حتى تكون هناك صلة بيننا وبين من يؤمن بإله وبمنهج السماء:"وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم".
وأوضح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى حينما قال: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9) (سورة الممتحنة).
فسبحانه يريد أن نوازن في أسلوب تعاملنا فلا نساوي بين ملحد ومشرك ومؤمن بصلة السماء بالأرض وإن كفر برسول الله وأن يكون هناك قدر محدود من التواصل الإنساني، فالذي يحل للمؤمنين من طعام أهل الكتاب هو الذي يكون حلالا في منهج الإسلام، ويجب أن ينتبه المسلم إلى أن بعض أطعمة أهل الكتاب تدخلها الخمور وعليه الامتناع عن كل ما هو محرم في ديننا وليأكل من طعامهم ما هو حلال لدينا، فلا يشرب المسلم خمرا ولا يأكل المؤمن لحم الخنزير.
والطعام كما نعلم وسيلة لاستبقاء الحياة، وها هو ذا ينتقل إلى استبقاء النوع وهو التناسل فقد أحل الله لنا أن نتزوج من بناتهم "والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان".
والمحصنة لها معنيان: وهي إما أن تكون الحرة في مقابل الأمة، وإما أن تكون المتزوجة لأن الإحصان يعني الوقاية من أن تختلط اختلاطا غير شريف، وكانت الحرة قديما لا تفعل الفعل القبيح، وكان البغاء مقصورا على الإماء لأن الأمة لا أب لها ولا أخ ولا عائل، وهي مهدرة الكرامة، ولذلك نجد أن هندا زوجة أبي سفيان عندما سمعت عن الزنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم تساءلت: يا رسول الله أو تزني الحرة؟ كأن الحرة لم تكن لتزني في الجاهلية لأن الحرة تستطيع أن تمتنع عكس غيرها.
والمحصنة أيضا هي المتزوجة ويساوي الحق بين المحصنة من المؤمنات والمحصنة من أهل الكتاب، والمراد هنا الحرة العفيفة ويشترط وضع المهر لكل واحدة منهن وبعض العلماء يقول: عندما تتزوج مسلمة يكفي أن تسمي لها المهر، لأن الدين الواحد يعطي الأمان العهدي، أما الزواج من كتابية فيجب أن يحدد الإنسان المهر وأن يقرره وأن يوفي بذلك فالإيتاء هو أن يسمي الإنسان المهر ويقرره ويشهد عليه الشهود، ويستطيع أن يجعل الإنسان المهر كله مؤخرا والشرط أن يكون الرجل محصنا أي متعففا.
ويحدد الحق:"غير مسافحين ولا متخذي أخذان "أي صدائق لهم دون زواج، والسفح هو الصب والمرأة البغي هي من يسفح معها أي رجل، والخدن هي الخليلة أو العشيقة دون زواج، والخذن كذلك يطلق على الذكر كما يطلق على الأنثى وإياك أن تفكر في أمر إقامة علاقة زواج متعة بل لا بد أن يكون الإقبال على الزواج بنية الزواج التأبيدي لا الزواج الاستمتاعي.
ويقول الحق من بعد ذلك:"ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين"، [لأن فائدة الإيمان أن يستقبل المؤمن الأحكام ممن آمن به إلها وينفذها فإن سترت شيئا من أحكام الله التي آمنت بها فقد كفرت بالإيمان والحق لا يضره أن يكفر الناس جميعا لأنه هو الذي خلق الخلق بداية وهو متصف بكل صفات القدرة والكمال.
إذن فالعالم كله لا يضيف إلى الله شيئا، فقبل أن يخلق الله الإنسان كانت كل صفات الكمال موجودة لله، وكل ثمار الطاعة والعبادة والإيمان إنما تعود على الإنسان، فإن جاء الإنسان إلى الأحكام التي شرعها الله له، وستر حكما منها فكأنه كفر بقضية الإيمان، وإن أنكر جزئية من جزيئات الإيمان فهذا لون من الكفر، ويا ليت من يفعل ذلك أن يقول: "إن هذه الجزئية صحيحة ولكن لا أقدر على نفسي".
ففي هذه الحالة يكون الإنسان مؤمنا عاصيا يستغفر الله أو يتوب، أما الكفر فلا، والكفر الإيماني يؤدي إلى حبط العمل وهذا دليل على أن الحق يخاطب إنسانا يلتزم في بعض الأشياء ولا يلتزم في البعض الآخر، وهنا يوضح الحق للإنسان: إن ما أديت من خير في أعمالك سيذهب بثوابه ويحبط جزاءه ما منعت تنفيذه من أحكام الله، وجاء الحق بكلمة "حبط "التي تدل عل أن العمل بطل وذهب ذهابا لا يعود، فالماشية حين تأكل طعاما ولم ينضج بعد وإن كان من جنس ما تطعم مثل البرسيم في بدايته ويسمى" الربة"، هذا اللون من الطعام عندما ترعى فيه البهائم يحدث لها انتفاخ في البطن وتموت.
والعرب تسمي هذا الداء الحبط، فالحبط إذن هو انتفاخ البطن في الماشية التي تأكل أكلا غير مناسب لها ويظن صاحبها أنها قد سمنت بينما هي تموت في الواقع.
وكذلك يكون العمل على غير ما شرع الله، والحق بدأ قضايا الإيمان في هذه السورة بقوله: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (من الآية1سورة المائدة).
فكل عقد إيماني يتعلق بالوحدانية لله وبالبلاغ عن الله وكل عقد عقد بين المؤمنين بعضهم بعضا، وكل عقد عقده الإنسان بينه وبين نفسه، هذه العقود مطلوب الوفاء بها، ومن يكفر بهذه الأشياء فقد حبط عمله، وحبط العمل يأتي نتيجة أن الإنسان أنهى عمله وختمه بهذا اللون من الكفر وظن أنه عمل عملا صالحا، لكن العمل يحبط تماما كما تذهب البهيمة لترعى شيئا لا يتناسب معها فينتفخ بطنها فيخيل للرائي أن ذلك شبع وإن ذلك عافية، ثم لا تلبث أن تنفق وتموت، كذلك عمل الذي يكفر بالإيمان، يظن أنه عمل شيئا ولكن ذلك الشيء متلف له والآيات القرآنية تكلمت عن هذا المعنى كثيرا، فالحق يقول عن الكافرين بالله: {أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} (من الآية39سورة النور).
ونعلم أن السراب هو شيء من انعكاسات الضوء يخدع الرائي السائر في الصحراء فيظن أنه ماء، ويسير إليه الإنسان فلا يجده ماء، هكذا يكون عمل الذي يكفر بآيات الله إنما أعمال تبدوا متوهمة النفع وقول الحق سبحانه: "ووجد الله عنده" أي أن مثل الإنسان يفاجأ بوجود الله كأن مسألة وجود الإله لم تكن بخياله من قبل والإنسان لا يأخذ أجره إلا لمن عمل له فهل عمل الواحد من هؤلاء لله حتى يأخذ منه أجرا؟ لا، لم يعمل لله، ولذلك نجد أن بعض السطحيين في الفهم يقولون: كيف لا يجزي الله الجزاء الحسن هؤلاء العلماء الذين اخترعوا العلاجات للأمراض، والعلماء الذين ابتكروا الأشياء التي تنفع الناس؟ كيف لا يحسن الله جزاءهم في الآخرة؟.
ونقول لقد فعلوا ذلك ولم يكن الله في بالهم، كان في بالهم الإنسانية، وقد أعطتهم الخلود في الذكرى وأقامت لهم التماثيل ومنحتهم أوسمة ووضعت فيهم المؤلفات لتمدحهم هم قد عملوا للناس فأعطاهم الناس وهؤلاء الكافرون بتقدمهم في العلوم مسخرون للإنسان المؤمن، فالمؤمن يستفيد من الكهرباء وينتفع بها المسلمون ليقرؤوا القرآن والعلم والذكر، ويستفيد المسلم من الطائرات فيذهب بها إلى الحج وزيارة المدينة المنورة، وينتفع بها كذلك في شئون دنياه وعلى المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب حتى لا يكونوا أذلة وعالة على غيرهم، والحق يسخر علم الكفار للمؤمنين ولا يثاب الكفار على هذا العمل من الله ولذلك يقول الحق عن أعمالهم مرة: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب (39)} (سورة النور).
ومرة أخرى يقول الحق: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد (18)} (سورة إبراهيم).
وها هو ذا سبحانه وتعالى يقول: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (105)} (سورة الكهف).
إذن فالإنسان الذي يستر الإيمان بعضه أو كله، هو إنسان حابط العمل، وهو في الآخرة من الخاسرين لأن النجاح في الآخرة نتيجة لعمل الدنيا ومادام قد عمل لغير الله في الدنيا فلا بد أن يكون من الخاسرين في الآخرة.
وقوله الحق: "وهو في الآخرة من الخاسرين" يوضح لنا ضرورة ألا نخدع ويغرر بنا لأن بعضا من الكافرين يكسب بعضا من الشهرة والجاه والثروة نتيجة اختراعاتهم، فكل ذلك أمور فانية، وهم مستسلمون لسنة الله فإما أن يفوتهم النعيم وإما أن يفوتوا النعيم والحساب الختامي يكون في الآخرة فالكافر وإن أخذ شيئا من الكسب في ظاهر هذه الحياة الدنيا فهو خاسر في الآخرة.