الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (5)

قوله سبحانه : { اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات }[ المائدة :5 ] إشارةٌ إلى الزَّمَنِ والأوانِ ، والخِطَابُ للمؤمِنِينَ .

وقوله سبحانه : { وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ } : الطعامُ في هذه الآيةِ : الذَّبَائِحُ ، كذا قال أهل التفسير .

واختلفوا في لَفْظَةِ { طَعَام } .

فقال الجمهورُ : هي الذبيحةُ كلُّها ، وقالتْ جماعة : إنما أحل لنا طعامهم من الذبيحةِ ، أي : الحلال لهم منها لا ما لا يَحِلُّ لهم ، كَالطَّرِيفِ ، وَالشُّحُومِ المحْضَةِ .

واختلف في لَفْظة { أُوتُواْ الكتاب } .

فقالتْ طائفة : إنما أحل لنا ذبائح الصُّرَحَاءِ منهم ، لا مَنْ كان دخيلاً في هذَيْن الدِّينَيْنِ ، وقال جمهورُ الأمَّة ، ابنُ عَبَّاس ، والحسنُ ، ومالكٌ ، وغيرهم : إنَّ ذبيحةَ كُلِّ نصرانيٍّ حلالٌ ، كان مِنْ بني تَغْلِبَ أو غيرهم ، وكذلك اليهودُ ، وتأوَّلوا قوْلَ اللَّهِ تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }[ المائدة : 51 ] .

وقولُهُ سُبْحَانه : { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } أي : ذبائحكم ، فهذه رُخْصَة للمسلمين ، لا لأهْلِ الكتابِ ، لَمَّا كان الأمْرُ يقتضي أنَّ شيئاً قد تشرَّعنا فيه بالتَّذْكِيَةِ ينبغي لنا أنْ نَحْمِيَهُ منهم ، رخَّص اللَّه تعالى لنا في ذلك ، دفعاً للمشقَّة بحَسَب التجاوُرِ .

وقوله سبحانه : { والمحصنات } عطْفٌ على الطَّعَام المُحَلَّل ، ذهب جماعةٌ منهم مالكٌ إلى أنَّ المحصنات في هذه الآيةِ الحرائر ، فمنعوا نِكَاحَ الأَمَةِ الكتابيَّة ، وذهب جماعةٌ إلى أنهنَّ العَفَائِفُ ، فأجازوا نكاحَ الأَمَةِ الكتابيَّة ، والأجورُ في الآية : المُهُورُ ، وانتزع بعضُ العلماءِ مِنْ لَفْظ : { ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } أنَّه لا ينبغِي أنْ يدخل زَوْجٌ بزوجته إلاَّ بَعْدَ أنْ يَبْذُلَ من المَهْر ما يستحلُّها به ، و{ مُّحْصِنِينَ } معناه : متزوِّجين على السُّنَّة .

وقوله سبحانه : { وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان } أي : بالأمور التي يَجِبُ الإيمان بها ، وباقي الآية بيِّن .