المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

63- اذكروا حين أخذنا عليكم العهد والميثاق رافعين جبل الطور ، وجعلناه بقدرتنا كالظلة فوقكم حتى خفتم وأذعنتم وقلنا لكم : خذوا ما آتيناكم من هدى وإرشاد بجد واجتهاد ، واذكروا ما فيه ذكر من يستجيب له ويعمل به كي تصونوا بذلك أنفسكم من العقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

40

ثم يمضي السياق يستعرض مواقف بني إسرائيل في مواجهة يهود المدينة بمسمع من المسلمين . ( وإذ أخذنا ميثاقكم ، ورفعنا فوقكم الطور : خذوا ما آتيناكم بقوة ، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ) . .

وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى ، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد ، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة . فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع ، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة . . إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق ، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة ، نعم ! ولكن هذه هي طبيعته . إنه أمر عظيم . أعظم من كل ما في هذا الوجود . فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه ، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف . ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ، كما قال رسول الله [ ص ] وقد نودي للتكليف : " مضى عهد النوم يا خديجة " . . وكما قال له ربه : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . . وكما قال لبني إسرائيل :

( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . ( واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) . .

ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه ، واستشعار حقيقته ، والتكيف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة . فعهد الله منهج حياة ، منهج يستقر في القلب تصورا وشعورا ، ويستقر في الحياة وضعا ونظاما ، ويستقر في السلوك أدبا وخلقا ، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير .

ولكن هيهات ! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها ، وغلبت عليها جبلتها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

تذكير بقصة أخرى أرى الله تعالى أسلافهم فيها بطشه ورحمته فلم يرتدعوا ولم يشكروا وهي أن أخذ الميثاق عليهم بواسطة موسى عليه السلام أن يعملوا بالشريعة وذلك حينما تجلى الله لموسى عليه السلام في الطور تجلياً خاصاً للجبل فتزعزع الجبل وتزلزل وارتجف وأحاط به دخان وضباب ورعود وبرق كما ورد في صفة ذلك في الفصل التاسع عشر من سفر الخروج وفي الفصل الخامس من سفر التثنية فلعل الجبل من شدة الزلازل وما ظهر حوله من الأسحبة والدخان والرعود صار يلوح كأنه سحابة ، ولذلك وصف في آية الأعراف ( 171 ) بقوله : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } [ نتقه : زعزعه ونقضه ] حتى يخيل إليهم أنه يهتز وهذا نظير قولهم استطاره إذا أزعجه فاضطرب فأعطوا العهد وامتثلوا لجميع ما أمرهم الله تعالى وقالوا : « كل ما تكلم الله به نفعله فقال الله لموسى فليؤمنوا بك إلى الأبد » وليس في كتب بني إسرائيل ولا في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن الله قلع الطور من موضعه ورفعه فوقهم وإنما ورد ذلك في أخبار ضعاف فلذلك لم نعتمده في التفسير .

وضمائر الخطاب لتحميل الخلف تبعات السلف كيلا يقعوا في مثلها وليستغفروا لأسلافهم عنها .

والميثاق في هاته الآية كالعهد في الآيات المتقدمة مراد به الشريعة ووعدهم بالعمل بها وقد سمته كتبهم عهداً كما قدمنا وهو إلى الآن كذلك في كتبهم . وهذه معجزة علمية لرسولنا صلى الله عليه وسلم

والطُّور علم على جبل ببرية سينا ، ويقال إن الطور اسم جنس للجبال في لغة الكنعانيين نقل إلى العربية وأنشدوا قول العجاج :

دَانَى جَناحيه من الطورِ فمَرْ *** تَقَضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَر

فإذا صح ذلك فإطلاقه على هذا الجبل علم بالغلبة في العبرية لأنهم وجدوا الكنعانيين يذكرونه فيقولون الطور يعنون الجبل كلمة لم يسبق لهم أن عرفوها فحسبوها علماً له فسموه الطور .

وقوله : { خذوا ما آتيناكم بقوة } مقول قول ، محذوف تقديره قائلين لهم خذوا ، وذلك هو الذي أخذ الميثاق عليه . والأخذ مجاز عن التلقي والتفهم . والقوة مجاز في الإيعاء وإتقان التلقي والعزيمة على العمل به كقوله تعالى : { يا يحيى خُذ الكتاب بقوة } [ مريم : 12 ] .

ويجوز أن يكون الذكر مجازاً عن الامتثال أي اذكروه عند عزمكم على الأعمال حتى تكون أعمالكم جارية على وفق ما فيه ، أو المراد بالذكر التفهم بدليل حرف { في } المؤذن بالظرفية المجازية أي استنباط الفروع من الأصول .

والمراد بما آتاهم ما أوحاه إلى موسى وهو الكلمات العشر التي هي قواعد شريعة التوراة .

وجملة { لعلكم تتقون } علة للأمر بقوله : { خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه } ولذلك فصلت بدون عطف .

والرجاء الذي يقتضيه حرف { لعل } مستعمل في معنى تقريب سبب التقوى بحضهم على الأخذ بقوة ، وتعهد التذكر لما فيه ، فذلك التقريب والتبيين شبيهٌ برجاء الراجي .

ويجوز أن يكون { لعل } قرينة استعارة تمثيل شأن الله حين هيأ لهم أسباب الهداية بحال الراجي تقواهم وعلى هذا محمل موارد كلمة { لعل } في الكلام المسند إلى الله تعالى . وتقدم عند قوله تعالى : { يأيها الناس اعبدوا ربكم } [ البقرة : 21 ] الآية .