{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون } .
{ إذ أخذنا ميثاقكم } أي عهدكم يا معشر اليهود والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق أن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة أو بما هو أعم من ذلك أو أخص { ورفعنا فوقك الطور } يعني الجبل العظيم ، والطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فيه ، قال ابن عباس وكان بنو إسرائيل أسفل منه ، وقيل هو اسم لكل جبل بالسريانية ، وفي القاموس يطلق على أي جبل كان وصرح به السمين ويطلق أيضا على جبال مخصوصة بأعيانها ، وهذا الجبل رفع فوقهم كان من جبال فلسطين ، وعن ابن عباس الطور ما أنبت من الجبال ، وما لم ينبت فليس بطور .
وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا ، فقال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلمة وأوتوا ببحر من خلفهم ونار من قبل وجوههم وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل فسجدوا توبة لله ، وأخذوا التوراة بالميثاق ، قيل وسجدوا على أنصاف وجوههم اليسرى وجعلوا يلاحظون الجبل بأعينهم اليمنى وهم سجود ، فصار ذلك سنة في سجود اليهود ، قيل فكأنه حصل لهم بعد هذا القسر والإلجاء قبول وإذعان اختياري ، وكان يكفي في الأمم السابقة مثل هذا الإيمان .
قال ابن جرير عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق ، قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة انتهى ، وهذا تكلف ساقط حمله عليه المحافظة على ما قد ارتسم من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره ، وكل عاقل يعلم أنه لا سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا أو أشد منه ، ونحن نقول أكرههم الله على الإيمان فآمنوا مكروهين ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان ، وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عمن تكلم بكلمة الإسلام والسيف مصلت قد هزه حامله على رأسه .
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذرا عن قتله بأنه قالها تقية ولم يكن عن قصد صحيح ( أأنت فتشت عن قلبه{[97]} ) وقال ( لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ) قال القفال إنه ليس إجبارا على الإسلام لأن الجبر ما سلب الاختيار بل كان إكراها وهو جائز ولا يسلب الاختيار كالمحاربة مع الكفار ؛ فأما قوله { لا إكراه في الدين } وقوله { أفأنت تكره الناس } فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ؛ ذكر الشهاب .
{ خذوا ما أتيناكم } أي قلنا لهم خذوا ما أعطيناكم { بقوة } القوة الجد والاجتهاد { واذكروا ما فيه } أي ادرسوا ولا تنسوه ؛ والمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظا عندهم ليعملوا به { لعلكم تتقون } أي لكي تنجو من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى أو رجاء منكم أن تكونوا متقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.