بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم } ، قال ابن عباس : هما ميثاقان ؛ الميثاق الأول : حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام والميثاق الثاني : الذي أخذ في التوراة وسائر الكتب .

{ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور } وذلك أن موسى عليه السلام ، لما أتاهم بالتوارة فرأوا ما فيها من التغليظ والأمر والنهي ، شق ذلك عليهم فأبوا أن يقبلوها . وإن الله تعالى قد منّ على هذه الأمة حيث فرض عليهم الفرائض واحداً بعد واحد ، ولم يفرض عليهم جملة ، فإذا استقر الواحد في قلوبهم فرض الآخر . وأما بنو إسرائيل ، فقد فرض عليهم دفعة واحدة فشق ذلك عليهم ولم يقبلوا ، فأمر الله تعالى الملائكة فرفعوا جبلاً من جبال فلسطين فوق رؤوسهم ، وكان عسكر موسى فرسخاً في فرسخ والجبل مثل ذلك ، فلما رأوا أنه لا مهرب لهم منه ، قبلوا التوراة وسجدوا من المهابة والفزع ، وهم يلاحظون في سجودهم الجبل ، فمن ذلك يسجد بعض اليهود على أنصاف وجوههم ، فذلك قوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور } . والطور : اسم جبل بالسريانية : ويقال : هو جبل ذو أشجار .

ثم قال تعالى : { خُذُواْ مَا آتيناكم بِقُوَّةٍ } ، أي قيل لهم : اعملوا بما آتيناكم بجد ومواظبة واعملوا في طاعة الله { واذكروا مَا فِيهِ } . قال بعضهم : اعملوا بما فيه . وقال بعضهم : اذكروا ما فيه من الثواب والعقاب ، لكي يسهل عليكم القبول . { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، أي لكي تتقوا عقوبته في المعصية فتمتنعوا عنها .