الطور : اسم لكل جبل ، قال مجاهد وعكرمة وقتادة .
أو الجبل المنبت دون غير المنبت ، قاله ابن عباس والضحاك ، أو الجبل الذي ناجى الله عليه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام .
دانى جناحيه من الطور فر *** تقضي البازي إذا البازي كسر
وإن تر سلمى الجن يستأنسوا بها *** وإن ير سلمى صاحب الطور ينزل
وأصله الناحية ، ومنه طوار الدار .
وقال مجاهد : هو جنس الجبل بالسريانية .
القوة : الشدّة ، وهي مصدر قوي يقوى ، وطيء تقول : قوي ، يفتحون العين والتاء مفتوحة فتنقلب ألفاً ، يقولون في بقي : بقى ، وفي زهي : زها ، وقد يوجد ذلك في لغة غيرهم .
زها الشوق حتى ظل إنسان عينه *** يفيض بمغمور من الدمع متأف
وهذه المادة قليلة ، وهي أن تكون العين واللام واوين .
{ وإذ أخذنا ميثاقكم } : هذا هو الإنعام العاشر ، لأنه إنما أخذ ميثاقهم لمصلحتهم ، وتقدّم الكلام في لفظة الميثاق في قوله تعالى : { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } والميثاق : ما أودعه الله تعالى العقول من الدلائل على وجوده وقدرته وحكمته وصدق أنبيائه ورسله ، أو المأخوذ على ذرية آدم في قوله : { ألست بربكم قالوا بلى } ، أو إلزام الناس متابعة الأنبياء ، أو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو العهد منهم ليعملنّ بما في التوراة ، فلما جاء موسى قرأوا ما فيها من التثقيل فامتنعوا من أخذها ، أو قوله : { لا تعبدون إلا الله } أقوال ستة .
قال القفال : قال ميثاقكم ولم يقل مواثيقكم ، لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم ، كقوله : { ثم يخرجكم طفلاً } أو لأن ما أخذه على واحد منهم ، أخذه على غيره ، فكان ميثاقاً واحداً ، ولو جمع لاحتمل التغاير .
{ ورفعنا فوقكم الطور } : سبب رفعه امتناعهم من دخول الأرض المقدّسة ، أو من السجود ، أو من أخذ التوراة والتزمها .
روي أن موسى لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم : خذوها والتزموها ، فقالوا : لا ، إلا أن يكلمنا الله بها ، كما كلمك ، فصعقوا ثم أحيوا .
فقال لهم : خذوها ، فقالوا : لا .
فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم ، وأضرم ناراً بين أيديهم ، فاحتاط بهم غضبه ، فقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل ، وغرقكم البحر ، وأحرقتكم النار ، فسجدوا توبة لله ، وأخذوا التوراة بالميثاق ، وسجدوا على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفاً .
فلما رحمهم الله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها ، فأمروا سجودهم على شق واحد .
وذكر الثعلبي أن ارتفاع الجبل فوق رؤوسهم كان مقدار قامة الرجل ، ولم تدل الآية على هذا السجود الذي ذكر في هذه القصة .
والواو في قوله : ورفعنا ، واو العطف : على تفسير ابن عباس ، لأن أخذ الميثاق كان متقدّماً ، فلما نقضوه بالامتناع من قبول الكتاب رفع عليهم الطور .
وأما على تفسير أبي مسلم : فإنها واو الحال ، أي إن أخذ الميثاق كان في حال رفع الطور فوقهم ، نحو قوله تعالى : { ونادى نوح ابنه وكان في معزل } أي وقد كان في معزل .
{ خذوا ما آتيناكم } : هو على إضمار القول ، أي : وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم .
وقال بعض الكوفيين : لا يحتاج إلى إضمار قول ، لأن أخذ الميثاق هو قول ، والمعنى : وإذا أخذنا ميثاقكم بأن خذوا ما آتيناكم ، وما موصول ، والعائد عليه محذوف ، أي : ما آتيناكموه ، ويعني به الكتاب .
يدل على ذلك قوله : { واذكروا ما فيه } ، وقرئ : ما آتيتكم ، وهو شبه التفات ، لأنه خرج من ضمير المعظم نفسه إلى غيره .
ومعنى قوله : { بقوة } بجدّ واجتهاد ، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي ، أو بعمل ، قاله مجاهد ؛ أو بصدق وحق ، قاله ابن زيد ؛ أو بقبول ، قاله ابن بحر ؛ أو بطاعة ، قاله أبو العالية والربيع ؛ أو بنية وإخلاص ، أو بكثرة درس ودراية ؛ أو بجدّ وعزيمة ورغبة وعمل ؛ أو بقدرة .
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، والباء للحال أو الاستعانة .
قرأ الجمهور : به أمراً من ذكر ، وقرأ أبيّ : واذكروا ما فيه : أمراً من اذكر ، وأصله : وإذتكروا ، ثم أبدل من التاء دال ، ثم أدغم الذال في الدال ، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني ، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول ، ويدغم فيه الأول فيقال : اذكر ، ويجوز الإظهار فتقول : إذ ذكر .
وقرأ ابن مسعود : تذكروا ، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا .
فعلى القراءتين قيل : هذا يكون أمراً بالادكار ، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتباً على حصول الأخذ بقوة ، أي أن تأخذوا بقوّة تذكروا ما فيه .
وذكر الزمخشري أنه قرئ : وتذكروا أمراً من التذكر ، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود ، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو ، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب ، قاله ابن عباس ؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه ، قاله الزجاج ؛ أو ما فيه من أمر الله ونهيه وصفة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى .
والذكر : قد يكون اللسان ، وقد يكون بالقلب على ما سبق ، وقد يكون بهما .
فباللسان معناه : ادرسوا ، وبالقلب معناه : تدبروا ، وبهما معناه : ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه .
أو أريد بالذكر : ثمرته ، وهو العمل ، فمعناه : اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع .
وقال في المنتخب : لا يحمل على نفس الذكر ، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل الله تعالى ، فكيف يجوز الأمر به ؟ انتهى .
{ لعلكم تتقون } : أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه .
وقيل : معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه .
والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه ، يدل على ذلك : { ثم توليتم من بعد ذلك } .
فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به .
وفي بعض القصص أنهم قالوا ، لما زال الجبل : يا موسى ، سمعنا وأطعنا ، ولولا الجبل ما أطعناك .
وفي بعض القصص : فآمنوا كرهاً ، وظاهر هذا الإلجاء .
والمختار عند أهل العلم أن الله تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود ، حتى كان إيمانهم طوعاً لا كرهاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.