الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

وقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور . . . } [ البقرة :63 ] .

{ الطور } : اسم الجبلِ الَّذي نُوجِيَ موسى عليه السلام ، قاله ابنُ عبَّاس ، وقال مجاهدٌ وغيره : { الطور } : اسمٌ لكلِّ جبلٍ ، وقصص هذه الآية أنَّ موسى عليه السلام ، لما جاء إلى بني إسرائيل من عنْد اللَّه تعالى بالألواح فيها التوراة ، قال لهم : خُذُوهَا والتزموها ، فقَالُوا : لا ، إِلاَّ أنْ يكلَّمنا اللَّهُ بهَا كما كلَّمك ، فصُعِقُوا ثم أُحْيُوا ، فقال لهم : خُذُوها ، فقالوا : لاَ ، فأمر اللَّه الملائكَةَ ، فاقتلعت جَبَلاً من جبالِ فِلَسْطِينَ طولُه فَرْسَخٌ في مثله ، وكذلك كان عسْكَرهم ، فجعل عليهم مثْلَ الظُّلَّة ، وأخرج اللَّه تعالى البَحْرَ من ورائهم ، وأضرم نَاراً من بين أيديهم ، فأحاط بهم غضبه ، وقيل لهم : خذوها ، وعليكُم الميثَاقُ ، ولا تضيِّعوها ، وإِلا سقط علَيْكم الجبَلُ ، وأغرقكم البَحْر ، وأحرقتكم النارُ ، فَسَجَدُوا توبةً للَّه سبحانه ، وأخذوا التوراةَ بالميثاقِ ، قال الطبريُّ عن بعض العلماء : لو أخذوها أوَّلَ مرَّة ، لم يكُنْ عليهم ميثاقٌ ، وكانت سجدتهم على شِقٍّ ، لأنهم كانوا يرقبون الجَبَل خوْفاً ، فلما رحمهم اللَّه سبحانه ، قالوا : لا سجدَةَ أفضلُ من سَجْدة تقبَّلها اللَّه ، ورَحِمَ بها ، فأَمَرُّوا سجودَهم على شِقٍّ واحدٍ .

قال : ( ع ) والذي لا يصحُّ سواه أن اللَّه تعالى اخترع وقْتَ سجودهم الإِيمان في قلوبهم ، لا أنهم آمنوا كُرْهاً ، وقلوبهم غيرُ مطمئنة ، قال : وقد اختصرْتُ ما سرد في قصصِ هذه الآية ، وقصدت أَصَحَّهُ الذي تقتضيه ألفاظُ الآية ، وخلط بعْضُ الناس صَعْقَةَ هذه القصَّة بصَعْقة السبعين .

وَ{ بِقُوَّةٍ } : قال ابن عباس معناه : بجِدٍّ واجتهاد .

وقال ابن زيد معناه : بتصديق وتحقيق .

{ واذكروا مَا فِيهِ } ، أي : تدبُّروه واحْفَظُوا أوامره ، ووعيدَهُ ، ولا تنسوه ، ولا تضيِّعوه .