غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (63)

62

وقوله سبحانه { وإذ أخذنا ميثاقكم } مخاطبة فيها معاتبة لاستمالها على تذكير النعم وتقدير المنعم . وللمفسرين في هذا الميثاق أقوال : أحدها : أنه ما أودع الله العقول من الدلائل الدالة على وجود الصانع وقدرته وحكمته وعلى صدق أنبيائه ورسله وهو أقوى المواثيق والعهود ، لأنه لا يحتمل الخلف والكذب والتبدل بوجه من الوجوه وهو قول الأصم ، وثانيها ما روي عن عبد الرحمان ابن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام لما رجع من عند ربه بالألواح ، قرأوا ما فيها من الأخبار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم وأبوا قبولها ، أمر جبرائيل بقلع الطور من أصله ورفعه فظلله فوقهم وقال لهم موسى : إن قبلتم وإلا ألقي عليكم فحينئذ قبلوا وأعطوا الميثاق . وعن ابن عباس : إن لله ميثاقين الأول ، حين أخرجهم من صلب آدم على أنفسهم ، والثاني أنه تعالى ألزم الناس متابعة الأنبياء . والمراد ههنا هو هذا العهد . وإنما قال { ميثاقكم } ولم يقل " مواثيقكم " للعلم بذلك كقوله { يخرجكم طفلاً } [ غافر : 67 ] أي كل واحد منكم ، أو لأن الميثاق بشيء واحد أخذه من كل واحد منهم . ولو قال مواثيقكم لأشبه أن يكون لكل منهم ميثاق آخر . والواو في { ورفعنا } إما واو عطف إن جعل الميثاق مقدماً على رفع الجبل كما في قول الأصم وابن عباس ، وإما واو الحال إن جعل مقارناً للرفع ، كأنه قال : وإذ أخذنا ميثاقكم عند رفعنا الطور فوقكم والطور . قيل : الجبل مطلقاً . وعن ابن عباس : أنه جبل من جبال فلسطين . وقيل : جبل معهود ، والأقرب أنه الجبل الذي وقعت المناجاة عليه ، وقد يجوز أن ينقله الله تعالى إلى حيث هم فيجعله فوقهم وإن كان بعيداً منهم ، فإن القادر على أن يسكن الجبل في الهواء قادر على أن ينقله إليهم من المكان البعيد .

{ خذوا } على إرادة القول أي وقلنا خذوا { ما آتيناكم } من الكتاب { بقوّة } بجد وعزيمة غير متكاسلين ولا متثاقلين وقيل : بقوة ربانية { واذكروا ما فيه } احفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه ، وإنما لم يحمل على نفس الذكر لأن الذكر الذي هو ضد النسيان من فعل الله فكيف يجوز الأمر به ؟ { لعلكم تتقون } رجاء منكم أن تكونوا متقين ، أو قلنا خذوا إرادة أن تتقوا .