المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

74- وهم يسألون ربهم أن يجعل نساءهم وأولادهم موضع أنس أنفسهم بما يعملون من خير ، وأن يجعلهم أئمة في الخير يقتدي بهم الصالحون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

63

وأخيرا فإن عباد الرحمن لا يكفيهم أنهم يبيتون لربهم سجدا وقياما ؛ وأنهم يتسمون بتلك السمات العظيمة كلها ، بل يرجون أن تعقبهم ذرية تسير على نهجهم ، وأن تكون لهم أزواج من نوعهم ؛ فتقر بهم عيونهم ، وتطمئن بهم قلوبهم ، ويتضاعف بهم عدد ( عباد الرحمن )ويرجون أن يجعل الله منهم قدوة طيبة للذين يتقون الله ويخافونه :

( والذين يقولون : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، واجعلنا للمتقين إماما ) . .

وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق : شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى الله . وفي أولهم الذرية والأزواج ، فهم أقرب الناس تبعة وهم أول أمانة يسأل عنها الرجال . والرغبة كذلك في أن يحس المؤمن أنه قدوة للخير ، يأتم به الراغبون في الله . وليس في هذا من أثرة ولا استعلاء فالركب كله في الطريق إلى الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا} (74)

هذه صفة ثالثة للمؤمنين بأنهم يُعْنَون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه فيدْعُون الله أن يرزقهم أزواجاً وذرّيّات تقَرُّ بهم أعينُهم ، فالأزواج يُطعنهم باتباع الإسلام وشرائعه ؛ فقد كان بعض أزواج المسلمين مخالفات أزواجهم في الدين ، والذّريات إذا نَشَأوا نشأوا مؤمنين ، وقد جُمع ذلك لهم في صفة { قرة أعين } . فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة إذ لا تقَرّ عيون المؤمنين إلاّ بأزواج وأبناء مؤمنين . وقد نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في العصمة بقوله : { ولا تُمسِكوا بعِصَم الكوافر } [ الممتحنة : 10 ] ، وقال : { والذي قال لوالدَيه أُف لكما أَتَعِدَانِنِيَ أن أُخرَج } [ الأحقاف : 17 ] الآية . فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة وإن كان فيه حظ لنفوسهم بقُرّة أعينهم إذ لا يناكد حظ النفس حظ الدين في أعمالهم ، كما في قول عبد الله ابن رواحة وهو خارج إلى غزوة مؤتة ، فدعا له المسلمون ولمن معه أن يَردّهم الله سالمين فقال :

لكنني أسأل الرحمن مغفرة *** وضربةً ذات فَرْغ تَقِذف الزبَدا

أو طعنةً بيديْ حرَّانَ مجهزة *** بحَرْبة تُنفذ الأحشاءَ والكَبِدا

حتى يقولوا إذا مَروا على جَدَثي *** أرشدَك الله من غَاز وقد رَشَدا

فإن في قوله : حتى يقولوا ، حظاً لنفسه من حسن الذكر وإن كان فيه دعاء له بالرشد وهو حظّ ديني أيضاً ، وقوله : وقد رَشَدَ ، حُسْن ذِكرٍ محض . وفي كتاب « الجامع » من « جَامع العتبية » من أحاديث ابن وهب قال مالك : رأيت رجلاً يَسأل ربيعة يقول : إني لأُحِبّ أن أُرى رائحاً إلى المسجد ، فكأنه كره من قوله ولم يعجبه أن يحبّ أحدٌ أن يُرى في شيء من أعمال الخير . وقال ابن رشد في « شرحه » : وهذا خلاف قول مالك في رسم العُقول من سماع أشهب من كتاب الصلاة : إنه لا بأس بذلك إذا كان أولُه لله ( أي القصد الأول من العمل لله ) . وقال ابن رشد في موضع آخر من « شرحه » قال الله تعالى : { وألقَيْتُ عليك محبةً منّي } [ طه : 39 ] ، وقال : { واجعل لي لسانَ صِدق في الآخرين } [ الشعراء : 84 ] . وقال الشاطبي في « الموافقات » : « عد مالك ذلك من قبيل الوسوسة ، أي أن الشيطان باقي للإنسان إذا سَرّه مرأى الناس له على الخير فيقول لك : إنك لَمُراءٍ . وليس كذلك وإنما هو أمر يقع في قلبه لا يُملَك » اه .

وفي « المعيار » عن كتاب « سراج المريدين » لأبي بكر بن العربي قال : سألت شيخنا أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى : { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا } [ البقرة : 160 ] ما بَيّنوا ؟ قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات .

قال الشاطبي : وهذا الموضع محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعاً لقصد العبادة . وقد التزم الغزالي فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط أن يصير العمل أخفّ عليه بسبب هذه الأغراض .

وأما ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك وكأنَّ مجالَ النظر يلتفت إلى انفكاك القصدين ، على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أَوْجَهُ لما جاء من الأدلة على ذلك ، إلى آخره .

و { مِن } في قوله : { من أزواجنا } للابتداء ، أي اجعل لنا قُرّة أعْيُن تنشأ من أزواجنا وذرّياتنا .

وقرأ الجمهور : { وذرياتنا } جمع ذرية ، والجمع مراعى فيه التوزيع على الطوائف من الذين يدعون بذلك ، وإلا فقد يكون لأحد الداعين ولد واحد . وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف و { ذريتنا } بدون ألف بعد التحتية ، ويستفاد معنى الجمع من الإضافة إلى ضمير { الذين يقولون } ، أي ذرية كل واحد .

والأعين : هي أعين الداعين ، أي قرة أعيُن لنا . وإذ قد كان الدعاء صادراً منهم جميعاً اقتضى ذلك أنهم يريدون قرة أعين جميعهم .

وكما سألوا التوفيق والخير لأزواجهم وذرّياتهم سألوا لأنفسهم بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان أن يجعلهم قُدوةً يَقتدي بهم المتقّون . وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغَ الدرجات العظيمة من التقوى فإن القدوة يجب أن يكون بالغاً أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمّون به الكمالَ فيه . وهذا يقتضي أيضاً أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول في الإسلام وأن يهتدي الناس إليه بواسطتهم .

والإمام أصله : المثال والقالب الذي يصنع على شكله مصنوع من مثله ، قال النابغة :

أبوه قبله وأبو أبيه *** بنَوْا مجدَ الحياة على إمام

وأُطلق الإمام على القدوة تشبيهاً بالمثال والقالَب ، وغلب ذلك فصار الإمام بمعنى القدوة . وقد تقدم في قوله تعالى : { قال إني جاعلُك للناس إماماً } في سورة البقرة ( 124 ) . ووقع الإخبار ب{ إماماً } وهو مفرد عن ضمير جماعة المتكلمين لأن المقصود أن يكون كل واحد منهم إماماً يُقتَدى به ، فالكلام على التوزيع ، أو أريد من إمام معناه الحقيقي وجرى الكلام على التشبيه البليغ . وقيل إمام جمع ، مثل هِجان وصِيام ومفردهُ : إمٌّ .