المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

50- وجعلنا عيسى ابن مريم وأمه - في حملها به من غير أن يمسها بشر وولادته من غير أب - دلالة قاطعة علي قدرتنا البالغة ، وأنزلناها في أرض مرتفعة منبسطة تستقر فيها الإقامة ويتوافر الماء الذي هو دعامة العيش الرغيد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

23

( ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون . وجعلنا ابن مريم وأمه آية ، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) . .

وتختلف الروايات في تحديد الربوة المشار إليها في هذا النص . . أين هي ? أكانت في مصر ، أم في دمشق ، أم في بيت المقدس . . وهي الأماكن التي ذهبت إليها مريم بابنها في طفولته وصباه - كما تذكر كتبهم - وليس المهم تحديد موضعها ، إنما المقصود هو الإشارة إلى إيواء الله لهما في مكان طيب ، ينضر فيه النبت ، ويسيل فيه الماء ، ويجدان فيه الرعاية والإيواء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

و { ابن مريم } ، عيسى عليه السلام وقصتهما كلها آية عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل وأخذها من كلا الوجهين متمكن ، و «آوى » معناه ضم واستعمل اللفظة في الأماكن أي أقررناهما ، و «الربوة » المرتفع من الأرض ، وقرأ جمهور الناس «رُبوة » بضم الراء ، وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن ، وقرأ ابن عباس ونصر عن عاصم بكسرها ، وقرأ محمد بن إسحاق «رُباوة » بضم الراء ، وقرأ الأشهب العقيلي بفتحها ، وقرأت فرقة بكسرها وكلها لغات قرىء بها ، و «القرار » ، التمكن فمعنى هذا أَنها مستوية بسيطة للحرث والغراسة قاله ابن عباس ، وقال قتادة «القرار » هنا الحبوب والثمار{[8491]} ، ومعنى الآية أنها من البقاع التي كملت خصالها فهي أَهل أَن يستقر فيها وقد يمكن أَن يستقر على الكمال في البقاع التي ماؤها آبار فبين بعد أَن ماء هذه الربوة يرى معيناً جارياً على وجه الأرض قاله ابن عباس وهذا كمال الكمال ، و «المعين » ، الظاهر الجري للعين فالميم زائدة وهو الذي يعاين جريه لا كالبئر ونحوه ، وكذلك أدخل الخليل وغيره هذه اللفظة في باب . ع ، ي ، ن ، وقد يحتمل أن تكون من قولهم معن الماء : إذا كثر ، ومنه قولهم المعن المعروف والجود ، فالميم فاء الفعل ، وأنشد الطبري على هذا قول عبيد بن الأبرص :

واهية أو معين ممعن . . . وهضبة دونها لهوب{[8492]}

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يرحم الله هاجر لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً »{[8493]} ، وهذا يحتمل الوجهين ، وهذه الربوة هي الموضع الذي فرت إليه مريم حين استحيت في قصة عيسى عليه السلام وهو الذي قيل لها فيه { قد جعل ربك تحتك سريا }{[8494]} [ مريم : 24 ] هذا قول بعض المفسرين واختلف الناس في موضع الربوة فقال : ابن المسيب سعيد : هي الغوطة بدمشق وهذا أشهر الأقوال لأن صفة الغوطة أنها { ذات قرار ومعين } على الكمال ، وقال أبو هريرة هي الرملة من فلسطين وأسنده الطبري عن كريب البهزي عن النبي عليه السلام{[8495]} ، ويعارض هذا القول أن الرملة ليس يجري بها ماء البتة وذكره الطبري وضعف القول به ، وقال كعب الأحبار «الربوة » بيت المقدس وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء وأنه يزيد على أَعلى الأرض ثمانية عشر ميلاً .

قال أبو محمد رحمه الله : ويترجح أن «الربوة » بيت لحم من بيت المقدس لأن ولادة عيسى هنالك كانت ، وحينئذ كان الإيواء ، وقال ابن زيد «الربوة » بأرض مصر وذلك أنها رُبا يجيء فيض النيل إليها فيملأ الأرض ولا ينال تلك الربى وفيها القرى وبها نجاتها .

قال أبو محمد رحمه الله :ويضعف هذا القول أنه لم يرو أَن عيسى عليه السلام ومريم كاناً بمصر ولا حفظت لهما بها قصة .


[8491]:لأن الثمار والحبوب تعمل على الاستقرار في المكان.
[8492]:البيت من قصيدة عبيد المشهورة: "أقفر من أهله ملحوب"، وهو من أبيات البداية التي صور فيها المنازل المقفرة وتقلب صروف الدهر عليها، وقبل هذا البيت يقول عبيد: عيناك دمعها سروب كأن شأنيهما شعيب فهو يقول: إن دمع عينيك دائم الجريان، كأن عروق الدمع في رأسك قربة ماء ممزقة، وسروب: دائمة السيلان، والشأن واحد الشئون وهي عروق تجري منها الدموع، والشعيب هي السقاء البالي، أو القربة = الممزقة. ثم في بيتنا يصف القربة بأنها واهية، أي ضعيفة ممزقة، والمعين: الماء، والممعن: الجاري، واللهوب: جمع لهب وهو الشعب في الجبل أو الفرجة بين جبلين. والهضبة: المكان المرتفع. وهو يقول: الماء يجري من هذه القربة الواهية كأنه الماء الجاري على وجه الأرض في سهولة، أو الماء الهابط من الهضبة العالية إلى شق منحدر في الجبل.
[8493]:أخرجه البخاري في المساقاة، وأحمد في مسنده 1 ـ 347، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم ـ أو قال: لو لم تغرف من الماء ـ لكانت عينا معينا، وأقبل جرهم فقالوا: أتأذنين أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولا حق لكم في الماء، قالوا: نعم).
[8494]:من الآية (24) من سورة (مريم).
[8495]:أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، وابن عساكر، عن مرة البهزي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الرملة الربوة). وأخرج الطبراني، وابن السكن، وابن منده، وأبو نعيم، وابن عساكر ـ من طرق ـ عن الأقرع بن شفي العكي رضي الله عنه، قال: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم في مرض يعوذني، فقلت: لا أحسب إلا أني ميت من مرضي، قال: (كلا، لتبقين ولتهاجرن منها إلى أرض الشام وتموت وتدفن بالربوة من أرض فلسطين)، فمات في خلافة عمر رضي الله عنه ودفن بالرملة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

لما كانت آية عيسى العظمى في ذاته في كيفيَّة تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ، ولم تذكر رسالته لأن معجزة تخليقه دالة على صدق رسالته . وأما قوله { وأمه } فهو إدماج لتسفيه اليهود فيما رموا به مريم عليها السلام فإن ما جعله الله آية لها ولابنها جعلوه مطعناً ومغمزاً فيهما .

وتنكير { آية } للتعظيم لأنها آية تحتوي على آيات . ولما كان مجموعها دالاً على صدق عيسى في رسالته جعل مجموعها آية عظيمة على صدقه كما علمتَ .

وأما قوله : { وآويناهما إلى رُبوة } فهو تنويه بهما إذ جعلهما الله محل عنايته ومظهر قدرته ولطفه .

والإيواء : جعل الغير آوياً ، أي ساكناً . وتقدم عند قوله : { أو آوي إلى ركن شديد } في سورة هود ( 80 ) وعند قوله : { سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } في سورة هود ( 43 ) .

والرُبوة بضم الراء : المرتفع من الأرض . ويجوز في الراء الحركات الثلاث . وتقدم في قوله تعالى : { كمثل جنة بربوة } في البقرة ( 265 ) . والمراد بهذا الإيواء وحي الله لمريم أن تنفرد بربوة حين اقترب مخاضُها لتلد عيسى في منعزل من الناس حفظاً لعيسى من أذاهم .

والقرار : المكث في المكان ، أي هي صالحة لأن تكون قراراً ، فأضيفت الربوة إلى المعنى الحاصل فيها لأدنى ملابسة وذلك بما اشتملت عليه من النخيل المثمر فتكون في ظله ولا تحتاج إلى طلب قوتها .

والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض ، وهو وصف جرى على موصوف محذوف ، أي ماء معين ، لدلالة الوصف عليه كقوله : { حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] . وهذا في معنى قوله في سورة مريم ( 24 26 ) { قد جعل رَبّك تَحْتَكِ سَريّاً وهُزّي إليك بجذْع النخلة تَسَّاقطْ عليك رُطَباً جَنِيَّاً فَكُلِي واشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً . }