ويسكت السياق . وقد سكت - ولا شك - إبراهيم . . ويسدل الستار على مشهد إبراهيم وزوجه ليرفع هناك على مشهد حافل بالحركة والانفعال مع لوط . وقوم لوط في مدن الأردن : عمورية وسدوم .
( ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا ، وقال : هذا يوم عصيب ! ) . .
لقد كان يعرف قومه . ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين . إذ يتركون النساء إلى الرجال ، مخالفين الفطرة التي تهتدي إلى حكمة خلق الأحياء جميعا أزواجا ، كي تمتد الحياة بالنسل ما شاء لها الله . والتي تجد اللذة الحقيقة في تلبية نداء الحكمة الأزلية ، لا عن تفكير وتدبير ، ولكن عن اهتداء واستقامة . والبشرية تعرف حالات مرضية فردية شاذة ، ولكن ظاهرة قوم لوط عجيبة . وهي تشير إلى أن المرض النفسي يعدي كالمرض الجسدي . وأنه يمكن أن يروج مرض نفسي كهذا نتيجة لاختلال المقاييس في بيئة من البيئات ، وانتشار المثل السيء ، عن طريق إيحاء البيئة المريضة . على الرغم من مصادمته للفطرة ، التي يحكمها الناموس الذي يحكم الحياة . الناموس الذي يقتضي أن تجد لذتها فيما يلبي حاجة الحياة لا فيما يصادمها ويعدمها . والشذود الجنسي يصادم الحياة ويعدمها ، لأنه يذهب ببذور الحياة في تربة خبيثة لم تعد لاستقبالها وإحيائها . بدلا من الذهاب بها إلى التربة المستعدة لتلقيها وإنمائها . ومن أجل هذا تنفر الفطرة السليمة نفورا فطريا - لا أخلاقيا فحسب - من عمل قوم لوط . لأن هذه الفطرة محكومة بقانون الله في الحياة . الذي يجعل اللذة الطبيعية السليمة فيما يساعد على إنماء الحياة لا فيما يصدمها ويعطلها .
ولقد نجد أحيانا لذة في الموت - في سبيل غاية أسمى من الحياة الدنيا - ولكنها ليست لذة حسية إنما هي معنوية اعتبارية . على أن هذه ليست مصادفة للحياة ، إنما هي إنماء لها وارتفاع بها من طريق آخر . وليست في شيء من ذلك العمل الشاذ الذي يعدم الحياة وخلاياها . .
سيء لوط بأضيافه . وهو يعلم ما ينتظرهم من قومه ، ويدرك الفضيحة التي ستناله في أضيافه :
«الرسل » هنا هم الملائكة الذين كانوا أضياف إبراهيم عليه السلام ، وذلك أنهم لما خرجوا إلى بلد لوط - وبينه وبين قرية إبراهيم ثمانية أميال - وصلوه ، فقيل : وجدوا لوطاً في حرث له ، وقيل : وجدوا ابنته تستقي ماء في نهر سدوم - وهي أكبر حواضر قوم لوط - فسألوها الدلالة على من يضيفهم ، ورأت هيئتهم فخافت عليهم من قوم لوط ، وقالت لهم : مكانكم ؛ وذهبت إلى أبيها فأخبرته ، فخرج إليهم ، فقالوا له : نريد أن تضيفنا الليلة ، فقال لهم : أو ما سمعتم بعمل هؤلاء القوم ؟ فقالوا وما عملهم ؟ فقال أشهد بالله لهم شر قوم في الأرض وقد كان الله عز وجل قال للملائكة : لا تعذبوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فلما قال لوط هذه قال جبريل لأصحابه : هذه واحدة وتردد القول بينهم حتى كرر لوط الشهادة أربع مرات ، ثم دخل لوط بهم المدينة وحينئذ { سيء بهم } أي أصابه سوء . و { سيء } فعل بني للمفعول ، و «الذرع » : مصدر مأخوذ من الذراع ، ولما كان الذراع موضع قوة الإنسان قيل في الأمر الذي لا طاقة له به : ضاق بهذا الأمر ذراع فلان ، وذرع فلان ، أي حيلته بذراعه ، وتوسعوا في هذا حتى قلبوه فقالوا : فلان رحب الذراع ، إذا وصفوه باتساع القدرة ومنه قول الشاعر :
يا سيد ما أنت من سيد*** موطأ الأكناف رحب الذراع{[6440]}
وقوله : { هذا يوم عصيب } أشار به إلى ما كان يتخوفه من تعدي قومه على أضيافه واحتياجه إلى المدافعة مع ضعفه عنها ، و { عصيب } بناء اسم فاعل معناه : يعصب الناس بالشر كما يعصب الخابط السلمة{[6441]} إذا أراد خبطها ونفض ورقها ، ومنه قول الحجاج في خطبته : ولأعصبنكم عصب السلمة ، فهو من العصابة ثم كثر وصفهم اليوم بعصيب ، ومنه قول الشاعر ، وهو عدي بن زيد : [ الوافر ]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد*** وقد سلكوك في يوم عصيب{[6442]}
فإنك إلا ترض بكر بن وائل*** يكنْ لك يوم بالعراق عصيب{[6443]}
ف «عصيب » - بالجملة - في موضع شديد وصعب الوطأة ، واشتقاقه كما ذكرنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.