المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

46- وبين أهل الجنة وأهل النار حاجز يسبق إلى احتلال أعرافه - وهي أماكنه الرفيعة العالية - رجال من خيار المؤمنين وأفاضلهم ، يشرفون منها على جميع الخلائق ، ويعرفون كلا من السعداء والأشقياء بعلامات تدل عليهم من أثر الطاعة والعصيان ، فينادون السعداء قبل دخولهم الجنة وهم يرجون دخولها ، فيبشرونهم بالأمان والاطمئنان ودخول الجنة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

37

ثم يتوجه النظر إلى المشهد من ظاهره . فإذا هنالك حاجز يفصل بين الجنة والنار ؛ عليه رجال يعرفون اصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماهم وعلاماتهم . . فلننظر من هؤلاء ، وما شأنهم مع أصحاب الجنة وأصحاب النار ؟

( وبينهما حجاب ، وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم . ونادوا أصحاب الجنة : أن سلام عليكم . . لم يدخلوها وهم يطمعون . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم ، قالوا : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) . .

روي أن هؤلاء الرجال الذين يقفون على الأعراف - الحجاب الحاجز بين الجنة والنار - جماعة من البشر ، تعادلت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تصل بهم تلك إلى الجنة مع أصحاب الجنة ، ولم تؤد بهم هذه إلى النار مع أصحاب النار . . وهم بين بين ، ينتظرون فضل الله ويرجون رحمته . . وهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم - ربما ببياض الوجوه ونضرتها أو بالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم - ويعرفون أهل النار بسيماهم - ربما بسواد الوجوه وقترتها ، أو بالوسم الذي على أنوفهم التي كانوا يشمخون بها في الدنيا ، كالذي جاء في سورة القلم : ( سنسمه على الخرطوم ) ! وها هم أولاء يتوجهون إلى أهل الجنة بالسلام . . يقولونها وهم يطمعون أن يدخلهم الله الجنة معهم ! . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار ، نَبَّه أن بين الجنة والنار حجابًا ، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة .

قال ابن جرير : وهو السور الذي قال الله تعالى : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } [ الحديد : 13 ] وهو الأعراف الذي قال الله تعالى : { وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ }

ثم روي بإسناده عن السدي أنه قال في قوله [ تعالى ]{[11752]} { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } وهو " السور " ، وهو " الأعراف " .

وقال مجاهد : الأعراف : حجاب بين الجنة والنار ، سور له باب . قال ابن جرير : والأعراف جمع " عُرْف " ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى " عرفًا " ، وإنما قيل لعرف الديك عرفًا لارتفاعه .

وحدثنا سفيان بن وَكِيع ، حدثنا ابن عيينة ، عن عُبَيد الله بن أبي يزيد ، سمع ابن عباس يقول : الأعراف هو الشيء المشرف .

وقال الثوري ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : الأعراف : سور كعُرْف الديك .

وفي رواية عن ابن عباس : الأعراف ، تل بين الجنة والنار ، حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار . وفي رواية عنه : هو سور بين الجنة والنار . وكذلك قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير .

وقال السدي : إنما سمي " الأعراف " أعرافًا ؛ لأن أصحابه يعرفون الناس .

واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ، وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم . نص عليه حذيفة ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وغير واحد من السلف والخلف ، رحمهم الله . وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه :

حدثنا عبد الله بن إسماعيل ، حدثنا عبيد بن الحسين ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا النعمان بن عبد السلام ، حدثنا شيخ لنا يقال له : أبو عباد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته ، فقال : " أولئك أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها وهم يطمعون " .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه{[11753]} ورواه من وجه آخر ، عن سعيد بن سلمة عن أبي الحسام ، عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، فقال : " إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم ، فقتلوا في سبيل الله " {[11754]}

وقال سعيد بن منصور : حدثنا أبو مَعْشَر ، حدثنا يحيى بن شِبْل ، عن يحيى بن عبد الرحمن المزني{[11755]} عن أبيه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن " أصحاب الأعراف " فقال : " هم ناس{[11756]} قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم ، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم النار{[11757]} قتلهم في سبيل الله " .

هكذا رواه ابن مَرْدُوَيه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن أبي معشر به{[11758]} وكذلك{[11759]} رواه ابنُ ماجه مرفوعًا ، من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري{[11760]} [ رضي الله عنهما ]{[11761]} والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا حصين ، عن الشعبي ، عن حذيفة ؛ أنه سئل عن أصحاب الأعراف ، قال : فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وخلَّفت بهم حسناتهم عن النار . قال : فوقفوا هناك{[11762]} على السور حتى يقضي الله فيهم . {[11763]}

وقد رواه من وجه آخر أبسط{[11764]} من هذا فقال :

حدثنا ابن حُمَيد ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال : قال الشعبي : أرسل إليّ عبد الحميد بن عبد الرحمن - وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذَكْوان مولى قريش - وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذكرا ، فقلت لهما : إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة ، فقالا هات . فقلت : إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال : هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، فإذا صُرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } فبينا{[11765]} هم كذلك ، اطلع عليهم ربك فقال لهم : اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم . {[11766]}

وقال عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي قال : قال سعيد بن جبير ، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم قرأ قول الله : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{[11767]} ] } [ المؤمنون : 102 ، 103 ] ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ، قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من

أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا : سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار قالوا : { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } فتعوذوا بالله من منازلهم . قال : فأما أصحاب الحسنات ، فإنهم يعطون نورًا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل عبد يومئذ نورًا ، وكل أمة نورًا ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة . فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا : { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [ التحريم : 8 ] . وأما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع ، فهنالك يقول الله تعالى : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } فكان الطمع دخولا . قال : وقال{[11768]} ابن مسعود : على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر ، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة . ثم يقول : هلك من غلبت واحدته أعشاره .

رواه ابن جرير{[11769]} وقال أيضا :

حدثني ابن وَكِيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس قال : " الأعراف " : السور الذي بين الجنة والنار ، وأصحاب الأعراف بذلك المكان ، حتى إذا بدأ الله أن يعافيهم ، انْطُلِق بهم إلى نهر يقال له : " الحياة " ، حافتاه قصب الذهب ، مكلل باللؤلؤ ، ترابه المسك ، فألقوا{[11770]} فيه حتى تصلح ألوانهم ، وتبدو في نحورهم بيضاء يعرفون بها ، حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال : تمنوا ما شئتم فيتمنون ، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم : لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا . فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، يسمون مساكين أهل الجنة .

وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المغيرة ، عن جرير ، به . وقد رواه سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث ، من قوله{[11771]} وهذا أصح ، والله أعلم . وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد .

وقال سُنَيْد بن داود : حدثني جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زُرْعَة عن عمرو بن جرير قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال{[11772]} هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، فإذا فرغ رب العالمين من فصله{[11773]} بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ، ولم تدخلوا{[11774]} الجنة ، فأنتم عتقائي ، فارعوا من الجنة حيث شئتم " . وهذا مرسل حسن{[11775]}

وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " الوليد بن موسى " ، عن منبه بن عثمان{[11776]} عن عُرْوَة بن رُوَيْم ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب ، فسألناه عن ثوابهم{[11777]} فقال : " على الأعراف ، وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فسألناه : وما الأعراف ؟ فقال : " حائط الجنة تجري فيها الأنهار ، وتنبت فيه الأشجار والثمار " .

رواه البيهقي ، عن ابن بشران ، عن علي بن محمد المصري ، عن يوسف بن يزيد ، عن الوليد بن موسى ، به{[11778]}

وقال سفيان الثوري ، عن خُصَيف ، عن مجاهد قال : أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء .

وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مِجْلز في قوله تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ } قال : هم رجال من الملائكة ، يعرفون أهل الجنة وأهل النار ، قال : { وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا } في النار { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ } قال : فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة : { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } .

وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد أحد التابعين ، وهو غريب من قوله وخلاف الظاهر من السياق : وقول الجمهور مقدم على قوله ، بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه . وكذا قول مجاهد : إنهم قوم صالحون علماء فقهاء{[11779]} فيه غرابة أيضا . والله أعلم .

وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولا منها : أنهم شهدوا أنهم صلحاء تفرعوا من فرع الآخرة ، دخلوا{[11780]} يطلعون على أخبار الناس . وقيل : هم أنبياء . وقيل : ملائكة .

وقوله تعالى : { يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ، وأهل النار بسواد الوجوه . وكذا روى الضحاك ، عنه .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس{[11781]} أنزلهم الله بتلك المنزلة ، ليعرفوا من في الجنة والنار ، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين . وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام ، لم يدخلوها ، وهم يطمعون أن يدخلوها ، وهم داخلوها إن شاء الله .

وكذا قال مجاهد ، والضحاك ، والسدي ، والحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال مَعْمَر ، عن الحسن : إنه تلا هذه الآية : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم ، إلا لكرامة يريدها بهم .

وقال قتادة [ قد ]{[11782]} أنبأكم الله بمكانهم من الطمع .

وقوله : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قال الضحاك ، عن ابن عباس : إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم{[11783]} قالوا : { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }

وقال السُّدِّي : وإذا مروا بهم - يعني بأصحاب الأعراف - بزمرة يُذهب بها إلى النار قالوا : { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }

وقال عكرمة : تحدد وجوههم في النار ، فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } فرأوا وجوههم مسودة ، وأعينهم مزرقة ، { قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }


[11752]:زيادة من ك.
[11753]:ورواه أبو الشيخ وابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور (3/463).
[11754]:ورواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور (3/465)، وسعيد بن سلمة ضعفه النسائي وخرج له مسلم في صحيحه.
[11755]:وقع في النسخ "يحيى بن عبد الرحمن المزني" وفي تفسير الطبري "محمد بن عبد الرحمن المزني" وفي مسند الحارث ومساوئ الأخلاق "عمر بن عبد الرحمن المزني" ولم أجد من ترجم له إلا أن ابن أبي حاتم قال في الجرح والتعديل في ترجمة يحيى بن شبل أنه روى عن "عمر بن عبد الرحمن المزني".
[11756]:في أ: "قوم".
[11757]:في أ: "من دخول النار".
[11758]:تفسير الطبري (12/458)، ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده برقم (711) "بغية الباحث".والخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم (252) كلاهما من طريق أبي معشر به.وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن قال البخاري: منكر الحديث.
[11759]:في ك، م: "وكذا".
[11760]:لم أجدهما في سنن ابن ماجة، وإنما رواهما ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (3/465)، وحديث أبي سعيد رواه أيضا الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3322) "مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري به. وقال الهيثمي في المجمع (7/23): "فيه محمد بن مخلد الرعيني وهو ضعيف".قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف أيضا.
[11761]:زيادة من أ.
[11762]:في ك، م: "هنالك".
[11763]:تفسير الطبري (12/453).
[11764]:في م: "بأبسط".
[11765]:في أ: "فبينما".
[11766]:تفسير الطبري (12/452).
[11767]:زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآيتين".
[11768]:في د: "فقال".
[11769]:تفسير الطبري (12/454).
[11770]:في م: "فألقي".
[11771]:تفسيرالطبري (12/455).
[11772]:في م: "فقال".
[11773]:في ك، م: "فصل".
[11774]:في م: "يدخلوا".
[11775]:ورواه الطبري (12/461) عن القاسم، عن سنيد بإسناده به.
[11776]:في النسخ "شيبة بن عثمان" والتصويب من تاريخ دمشق، والبعث للبيهقي.
[11777]:في النسخ: "عن ثوابهم وعن مؤمنيهم" والمثبت من الدر المنثور 3/88. مستفاد من هامش ط الشعب.
[11778]:تاريخ دمشق (17/910) "القسم المخطوط" والبعث للبيهقي برقم (117) ورجاله ثقات.
[11779]:في ك، م، أ: "فقهاء علماء".
[11780]:في م: "وجعلوا"، وفي أ: "وخلق".
[11781]:في ك، م: "عن ابن عباس قال".
[11782]:زيادة من م، أ.
[11783]:في ك، م، أ: "عرفوهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

تقديم { وبينهما } وهو خبر على المبتدأ للاهتمام بالمكان المتوسّط بين الجنّة والنّار وما ذكر من شأنه . وبهذا التّقديم صحّ تصحيح الابتداء بالنّكرة ، والتّنكير للتّعظيم .

وضمير { بينهما } يعود إلى لفظي الجنّة والنّار الواقعين في قوله { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } [ الأعراف : 44 ] وهما اسما مكان ، فيصلح اعتبار التّوسّط بينهما . وجُعل الحجاب فصلاً بينهما . وتثنية الضّمير تُعيِّن هذا المعنى ، ولو أريد من الضّمير فريقَا أهللِ الجنّة وأهل النّار ، لقال : بينهم ، كما قال في سورة الحديد ( 13 ) { فضرب بينهم بسور } الآية .

والحجاب : سور ضُرب فاصلاً بين مكان الجنّة ومكان جهنّم ، وقد سمّاه القرآن سوراً في قوله : { فضرب بينهم بسور له باب } في سورة الحديد ( 13 ) ، وسمّي السور حجاباً لأنّه يقصد منه الحجب والمنع كما سمّي سوراً باعتبار الإحاطة .

والأعراف : جمع عُرْف بِضّم العين وسكون الرّاء ، وقد تضمّ الرّاء أيضاً وهو أعلى الشّيء ومنه سمّي عُرف الفرس ، الشّعر الذي في أعلى رقبته ، وسمّي عُرف الدّيك . الرّيش الذي في أعلى رأسه .

و ( أل ) في الأعراف } للعهد . وهي الأعراف المعهودة التي تكون بارزة في أعالي السّور . ليرقب منها النظَّارة حركات العد وليشعروا به إذا داهمهم . ولم يسبق ذكر للأعراف هنا حتّى تعرّف بلام العهد ، فتعيّن أنّها ما يعهده النّاس في الأسوار . أو يجعل ( ألْ ) عوضاً عن المضاف إليه : أي وعلى أعراف السّور . وهما وجهان في نظائر هذا التّعريف كقوله تعالى : { فإن الجنة هي المأوى } [ النازعات : 41 ] وأيّاً مّا كان فنظم الآية يأبى أن يكون المراد من الأعراف مكاناً مخصوصاً يتعرّف منه أهل الجنّة وأهل النّار ، إذ لا وجه حينئذٍ لتعريفه مع عدم سبق الحديث عنه .

وتقديم الجار والمجرور لتصحيح الابتداء بالنّكرة ، إذ اقتضى المقام الحديث عن رجال مجهولين يكونون على أعراف هذا الحجاب ، قبل أن يدخلوا الجنّة ، فيشهدون هنالك أحوال أهل الجنّة وأحوال أهل النّار ، ويعرِفون رجالاً من أهل النّار كانوا من أهل العزّة والكبرياء في الدّنيا ، وكانوا يكذّبون وعد الله المؤمنين بالجنّة ، وليس تخصيص الرّجال بالذّكر بمقتض أن ليس في أهل الأعراف نساء ، ولا اختصاص هؤلاء الرّجال المتحدّث عنهم بذلك المكان دون سواهم من الرّجال ، ولكن هؤلاء رجال يقع لهم هذا الخبر ، فذكروا هنا للاعتبار على وجه المصادفة ، لا لقصد تقسيم أهل الآخرة وأمكنتهم ، ولعلّ توهّم أنّ تخصيص الرّجال بالذّكر لقصد التّقسيم قد أوقع بعض المفسّرين في حيرة لتطلّب المعنى لأنّ ذلك يقتضي أن يكون أهل الأعراف قد استحقّوا ذلك المكان لأجل حالة لاحظّ للنّساء فيها ، فبعضهم حمل الرّجال على الحقيقة فتطلب عملاً يعمله الرّجال لاحظ للنّساء فيه في الإسلام ، وليس إلاّ الجهاد ، فقال بعض المفسرين : هؤلاء قوم جاهدوا وكانوا عاصين لآبائهم ، وبعض المفسّرين حمل الرّجال على المجاز بمعنى الأشخاص من الملائكة ، أطلق عليهم الرّجال لأنّهم ليسوا إناثاً كما أطلق على أشخاص الجنّ في قوله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } [ الجن : 6 ] فيظهر وجه لتخصيص الرّجال بالذّكر تبعاً لما في بعض تلك الأحاديث التي أشرنا إليها .

وأمّا ما نقل عن بعض السّلف أنّ أهل الأعراف هم قوم اسْتوت موازين حسناتهم مع موازين سيّئاتهم ، ويكون إطلاق الرّجال عليهم تغليباً ، لأنّه لا بدّ أن يكون فيهم نساء ، ويروى فيه أخبار مسندة إلى النّبيء صلى الله عليه وسلم لم تبلغ مبلغ الصّحيح ولم تنزل إلى رتبة الضّعيف : روى بعضَها ابنُ ماجة ، وبعضَها ابنُ مردويه ، وبعضَها الطّبري ، فإذا صحت فإنّ المراد منها أن من كانت تلك حالتهم يكونون من جملة أهل الأعراف المخبر عنهم في القرآن بأنّهم لم يدخلوا الجنّة وهم يطمعون . وليس المراد منها أنّهم المقصودُ من هذه الآية كما لا يخفى على المتأمّل فيها .

والذي ينبغي تفسير الآية به : أنّ هذه الأعراف جعلها الله مكاناً يوقف به من جعله الله من أهل الجنّة قبل دخوله إياها ، وذلك ضرب من العقاب خفيف ، فجعل الدّاخلين إلى الجنّة متفاوتين في السبق تفاوتاً يعلم الله أسبابه ومقاديره ، وقد قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } [ الحديد : 10 ] وخصّ الله بالحديث في هذه الآيات رجالاً من أصحاب الأعراف . ثمّ يحتمل أن يكون أصحاب الأعراف من الأمّة الإسلاميّة خاصّة . ويحتمل أن يكونوا من سائر الأمم المؤمنين برسلهم ، وأيّاما كان فالمقصود من هذه الآيات هم من كان من الأمّة المحمّديّة .

وتنوين { كلاً } عوضٌ عن المضاف إليه المعروف من الكلام المتقدّم . أي كلّ أهل الجنّة وأهل النّار .

والسيما بالقصر السمة أي العلامة ، أي بعلامة ميَّز الله بها أهل الجنّة وأهل النّار ، وقد تقدّم بيانها واشتقاقها عند قوله تعالى : { تعرفهم بسيماهُم } في سورة البقرة ( 273 ) .

ونداؤهم أهلَ الجنّة بالسّلام يؤذن بأنّهم في اتّصال بعيد من أهل الجنّة ، فجعل الله ذلك أمارة لهم بحسن عاقبتهم ترتاح لها نفوسهم . ويعلمون أنّهم صائرون إلى الجنّة ، فلذلك حكى الله حالهم هذه للنّاس إيذاناً بذلك وبأن طمعهم في قوله : { لم يدخلوها وهم يطمعون } هو طمع مستند إلى علامات وقوع المطموع فيه ، فهو من صنف الرّجاء كقوله : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } ( الشعراء 82 ) .

و { أن } تفسير للنّداء ، وهو القول { سلام عليكم } . و { سلام عليكم } دعاءُ تحيّة وإكرام .

وجملة : { لم يدخلوها وهم يطمعون } مستأنفة للبيان ، لأنّ قوله { ونادوا أصحاب الجنّة } يثير سؤالاً يبحث عن كونهم صائرين إلى الجنّة أو إلى غيرها . وجملة : { وهم يطمعون } حال من ضمير { يدخلوها } والجملتان معاً معترضتان بين جملة : { ونادوا أصحاب الجنة } وجملة { وإذا صرفت أبصارهم } .