إنها عصاه . ولكن أين هو من عصاه ? إنما يتذكر فيجيب :
( قال : هي عصاي ، أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) . .
والسؤال لم يكن عن وظيفة العصا في يده . إنما كان عما في يمينه . ولكنه أدرك أن ليس عن ماهيتها يسأل ، فهي واضحة ، إنما عن وظيفتها معه . فأجاب . .
ذلك أقصى ما يعرفه موسى عن تلك العصا : أن يتوكأ عليها وأن يضرب بها أوراق الشجر لتتساقط فتأكلها الغنم - وقد كان يرعى الغنم لشعيب . وقيل : إنه ساق معه في عودته قطيعا منها كان من نصيبه . وأن يستخدمها في أغراض أخرى من هذا القبيل أجملها ولم يعددها لأن ما ذكره نموذج منها .
{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } أي : أعتمد عليها في حال المشي { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي } أي : أهز بها الشجرة ليسقط ورقها ، لترعاه غنمي .
قال عبد الرحمن بن القاسم : عن الإمام مالك : والهش : أن يضع الرجل المحْجَن في الغصن ، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثَمَره ، ولا يكسر العود ، فهذا الهش ، ولا يخبط . وكذا قال ميمون بن مهران أيضًا .
وقوله : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } أي : مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك . وقد تكلف{[19238]} بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت ، فقيل : كانت تضيء له بالليل ، وتحرس له الغنم إذا نام ، ويغرسها فتصير شجرة تظله ، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة .
والظاهر أنها لم تكن كذلك ، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى صيرورتها ثعبانًا ، فما كان يفر منها هاربًا ، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية{[19239]} وكذا قول بعضهم : إنها كانت لآدم ، عليه السلام . وقول الآخر : إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة . وروي عن ابن عباس أنه قال : كان اسمها ماشا . والله أعلم بالصواب .
وقرأ الحسن وأبو عمرو بخلاف عنه «عصاي » بكسر الياء مثل غلامي{[8095]} ، وقرأت فرقة «عصى » وهي لغة هذيل ومنه قول أبي ذؤيب : [ الكامل ]
سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم . . . {[8096]} وقرأ الجمهور «عصايَ » بفتح الياء ، وقرأ ابن أبي إسحاق «عصايْ » بياء ساكنة ، ثم ذكر موسى عليه السلام من منافع عصاه عظمها وجمهورها{[8097]} ، وأجمل سائر ذلك ، وقرأ الجمهور «وأهُشُّ » بضم الهاء والشين المنقوطة ومعناه أخبط بها الشجر حتى ينتثر بها الورق للغنم ، وقرأ إبراهيم النخعي «وأهِش » بكسر والمعنى كالذي تقدم ، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس «وأهُسُّ » بضم الهاء والسين غير المنقوطة ومعناه أزجر بها وأخوف ، وقرأت فرقة «علي غنمي » بالجر ، وقرأت «غنمي » فأوقع الفعل على الغنم ، وقرأت «غنْمي » بسكون النون ولا أعرف لها وجهاً ، وقوله { أخرى } فوحد مع تقدم الجمع وهو المهيع في توابع جمع ما لا يعقل والكناية عنه فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة كقوله تعالى : { الأسماء الحسنى }{[8098]} [ طه : 8 ] وكقوله { يا جبال أوبي معه }{[8099]} [ سبأ : 10 ] وقد تقدم القول في هذا المعنى غير مرة{[8100]} ، وعصا موسى عليه السلام هي التي كان أخذها من بيت عصا الأنبياء التي كان عند شعيب حين اتفقا على الرعية ، وكانت عصا آدم هبط بها من الجنة وكانت من العير الذي في ورق الريحان وهو الجسم المستطيل في وسطها وقد تقدم شرح أمرها فيما مضى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.