فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

{ قَالَ هِيَ عَصَايَ } قرأ ابن أبي إسحاق : " عصى " على لغة هذيل . وقرأ الحسن : " عَصَايَ " بكسر الياء لالتقاء الساكنين { أتوكأ عليها } أي أتحامل عليها في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف ، ومنه الاتكاء . { وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي } هش بالعصا يهش هشاً : إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق . قال الشاعر :

أهش بالعصا على أغنامي *** من ناعم الأوراك والسنام

وقرأ النخعي " أهس " بالسين المهملة ، وهو زجر الغنم ، وكذا قرأ عكرمة ، وقيل : هما لغتان لمعنى واحد { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى } أي حوائج ، واحدها مَأْرَبَة ومَأْرُبُة ومأربة مثلث الراء ، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب ، ذكر تفصيل منافع العصا ، ثم عقبه بالإجمال .

وقد تعرّض قوم لتعداد منافع العصا ، فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب : عصاي أركزها لصلاتي ، وأعدّها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي ، ليتسع خطوي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني العثر ، وألقي عليها كسائي ، فتقيني الحرّ ، وتدفيني من القرّ ، وتدني إليّ ما بعد مني وهي تحمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بنيّ . انتهى .

وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين ، وذكر فيه أخباراً وأشعاراً وفوائد لطيفة ونكتاً رشيقة . وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرّة المعاندين ، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته ، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنزته ، وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده ، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب .

/خ35