الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

فيه خمس مسائل :

الأولى-قوله تعالى : " وما تلك بيمينك " قيل : كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا ؛ لأنه قال : ( فاستمع لما يوحى ) ولابد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه ، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك . ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه ، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد ، وبرهانا يلقى به قومه . واختلف في " ما " في قوله ( وما تلك ) فقال الزجاج والفراء : هي اسم ناقص وصلت ب " يمينك " أي ما التي بيمينك ؟ وقال أيضا : " تلك " بمعنى هذه ، ولو قال : ما ذلك لجاز ، أي ما ذلك الشيء ، ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى : هي عصاي ، ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل . وقال ابن الجوهري : وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن ، فقيل له : ألقها لترى منها العجب ، فتعلم أنه لا ملك عليها ولا تنضاف إليك . وقرأ ابن أبي إسحاق " عصي " على لغة هذيل ، ومثله " يا بشرى " {[11039]} و " محيي{[11040]} " وقد تقدم . وقرأ الحسن " عصاي " بكسر الياء لالتقاء الساكنين . ومثل هذا قراءة حمزة " وما أنتم بمصرخي{[11041]} " [ إبراهيم : 22 ] . وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء .

الثانية-في هذه الآية دليل على جواب السؤال{[11042]} بأكثر مما سئل ؛ لأنه لما قال " وما تلك بيمينك يا موسى " ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا ، والتوكؤ ، والهش ، والمآرب المطلقة . فذكر موسى من منافع عصاه عظمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك . وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) . وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال ( نعم ولك أجر ) . ومثله في الحديث كثير .

الثالثة-قوله تعالى : " أتوكأ عليها " أي أتحامل عليها في المشي والوقوف ، ومنه الاتكاء " وأهش بها " " وأهش " أيضا ، ذكره النحاس . وهي قراءة النخعي{[11043]} ، أي أخبط بها الورق ، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها ، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله . قال الراجز :

َهُشُّ بالعصا على أغنامي *** من ناعِمِ الأراكِ والبَشَامِ

يقال : هش على غنمه يهش الهاء في المستقبل . وهش إلى الرجل يهش بالفتح وكذلك هش للمعروف يهش وهششت أنا : وفي حديث عمر : هششت يوما فقبلت وأنا صائم . قال شمر : أي فرحت واشتهيت . قال : ويجوز هاش بمعنى هش . قال الراعي

فَكَبَّرَ للرؤيا وهاشَ فؤادُه *** وبَشَّرَ نفساً كان قبلُ يلومُها

أي طرب . والأصل في الكلمة الرخاوة . يقال رجل هش وزوج هش . وقرأ عكرمة " وأهس " بالسين غير معجمة ، قيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : معناهما مختلف ، فالهش بالإعجام خبط الشجر ، والهس بغير إعجام زجر الغنم ، ذكره الماوردي . وكذلك ذكر الزمخشري . وعن عكرمة : " وأهس " بالسين أي أنحي عليها زاجرا لها والهس زجر الغنم .

الرابعة-قوله تعالى : " ولي فيها مآرب أخرى " أي حوائج . واحدها مَأْرُبة ومَأْرَبة ومَأْرِبة . وقال : " أخرى " على صيغة الواحد ؛ لأن مآرب في معنى الجماعة ، لكن المهيع{[11044]} في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك ، فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة ، كقوله تعالى " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها{[11045]} " [ الأعراف : 180 ] وكقولك " يا جبال أوبي معه " {[11046]} [ سبأ : 10 ] وقد تقدم هذا في " الأعراف " {[11047]} .

الخامسة-تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس ، قال : إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا ، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني ، وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها ، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة ، وأقاتل بها السباع عن الغنم .

وروى عنه ميمون بن مهران قال : إمساك العصا سنة للأنبياء ، وعلامة للمؤمن . وقال الحسن البصري : فيها ست خصال : سنة للأنبياء ، وزينة الصلحاء ، وسلاح على الأعداء ، وعون للضعفاء ، وغم المنافقين ، وزيادة في الطاعات . ويقال : إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ، ويخشع منه المنافق والفاجر ، وتكون قبلته إذا صلى ، وقوة إذا أعيا . ولقي الحجاج أعرابيا فقال : من أين أقبلت يا أعرابي ؟ قال : من البادية . قال : وما في يدك ؟ قال : عصاي أركزها لصلاتي{[11048]} ، وأعدها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني من العثر ، وألقي عليها كسائي فيقيني الحر ، ويدفئني من القر ، وتدني إلي ما بعد مني ، وهي محمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأتقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ، ورثتها عن أبي ، وأورثها بعدي ابني ، وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى ، كثيرة لا تحصى .

قلت : منافع العصا كثيرة ، ولها مدخل في مواضع من الشريعة : منها أنها تتخذ قبلة في الصحراء ، وقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام عَنَزَة{[11049]} تركز له فيصلي إليها ، وكان إذا خرج يوم العيد أم بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها ، وذلك ثابت في الصحيح . والحربة والعنزة والنيزك والآلة اسم لمسمى واحد . وكان له محجن وهو عصا معوجة الطرف يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبله ، ثابت في الصحيح أيضا . وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر . وفي الصحيحين : أنه عليه الصلاة والسلام كان له مخصرة{[11050]} . والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا ، فالعصا مأخوذة من أصل كريم ، ومعدن شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل . وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة المعاندون . واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته . وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته ، وكان يخطب بالقضيب - وكفى بذلك فضلا على شرف حال العصا - وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء ، وعادة العرب العرباء ، الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب . وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني . والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم . قال مالك : كان عطاء بن السائب يمسك المخصرة يستعين بها . قال مالك : والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه .

قلت : وفي مشيته كما قال بعضهم :

قد كنت أمشي على رجلين معتمدا *** فصرت أمشي على أخرى من الخشب

قال مالك رحمه الله ورضي عنه : وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكؤون عليها ، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم ، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم . ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم ، ويصلح حاله وحالهم معه . ومنه قوله عليه السلام ( وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه{[11051]} ) في إحدى الروايات . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال لرجل أوصاه : ( لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله ) رواه عبادة بن الصامت ، خرجه النسائي . ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( علق سوطك حيث يراه أهلك ) وقد تقدم هذا في " النساء " {[11052]} . ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار ، كما قيل لبعض الزهاد : مالك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض ؟ قال إني أعلم أني مسافر ، وأنها دار قلعة ، وأن العصا من آلة السفر ، فأخذه بعض الشعراء فقال :

حملتُ العصا لا الضعفُ أوجب حملها *** عليَّ ولا أني تحنيت من كبر

ولكنني ألزمتُ نفسيَ حملها *** لأُعلمها أن المقيم على سفر

فيه خمس مسائل :

الأولى-قوله تعالى : " وما تلك بيمينك " قيل : كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا ؛ لأنه قال : ( فاستمع لما يوحى ) ولابد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوة نفسه ، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك . ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه ، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد ، وبرهانا يلقى به قومه . واختلف في " ما " في قوله ( وما تلك ) فقال الزجاج والفراء : هي اسم ناقص وصلت ب " يمينك " أي ما التي بيمينك ؟ وقال أيضا : " تلك " بمعنى هذه ، ولو قال : ما ذلك لجاز ، أي ما ذلك الشيء ، ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى : هي عصاي ، ليثبت الحجة عليه بعد ما اعترف ، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل . وقال ابن الجوهري : وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن ، فقيل له : ألقها لترى منها العجب ، فتعلم أنه لا ملك عليها ولا تنضاف إليك . وقرأ ابن أبي إسحاق " عصي " على لغة هذيل ، ومثله " يا بشرى " {[1]} و " محيي{[2]} " وقد تقدم . وقرأ الحسن " عصاي " بكسر الياء لالتقاء الساكنين . ومثل هذا قراءة حمزة " وما أنتم بمصرخي{[3]} " [ إبراهيم : 22 ] . وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء .

الثانية-في هذه الآية دليل على جواب السؤال{[4]} بأكثر مما سئل ؛ لأنه لما قال " وما تلك بيمينك يا موسى " ذكر معاني أربعة وهي إضافة العصا إليه ، وكان حقه أن يقول عصا ، والتوكؤ ، والهش ، والمآرب المطلقة . فذكر موسى من منافع عصاه عظمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك . وفي الحديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) . وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت : ألهذا حج ؟ قال ( نعم ولك أجر ) . ومثله في الحديث كثير .

الثالثة-قوله تعالى : " أتوكأ عليها " أي أتحامل عليها في المشي والوقوف ، ومنه الاتكاء " وأهش بها " " وأهش " أيضا ، ذكره النحاس . وهي قراءة النخعي{[5]} ، أي أخبط بها الورق ، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها ، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله . قال الراجز :

َهُشُّ بالعصا على أغنامي *** من ناعِمِ الأراكِ والبَشَامِ

يقال : هش على غنمه يهش الهاء في المستقبل . وهش إلى الرجل يهش بالفتح وكذلك هش للمعروف يهش وهششت أنا : وفي حديث عمر : هششت يوما فقبلت وأنا صائم . قال شمر : أي فرحت واشتهيت . قال : ويجوز هاش بمعنى هش . قال الراعي

فَكَبَّرَ للرؤيا وهاشَ فؤادُه *** وبَشَّرَ نفساً كان قبلُ يلومُها

أي طرب . والأصل في الكلمة الرخاوة . يقال رجل هش وزوج هش . وقرأ عكرمة " وأهس " بالسين غير معجمة ، قيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : معناهما مختلف ، فالهش بالإعجام خبط الشجر ، والهس بغير إعجام زجر الغنم ، ذكره الماوردي . وكذلك ذكر الزمخشري . وعن عكرمة : " وأهس " بالسين أي أنحي عليها زاجرا لها والهس زجر الغنم .

الرابعة-قوله تعالى : " ولي فيها مآرب أخرى " أي حوائج . واحدها مَأْرُبة ومَأْرَبة ومَأْرِبة . وقال : " أخرى " على صيغة الواحد ؛ لأن مآرب في معنى الجماعة ، لكن المهيع{[6]} في توابع جمع ما لا يعقل الإفراد والكناية عنه بذلك ، فإن ذلك يجري مجرى الواحدة المؤنثة ، كقوله تعالى " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها{[7]} " [ الأعراف : 180 ] وكقولك " يا جبال أوبي معه " {[8]} [ سبأ : 10 ] وقد تقدم هذا في " الأعراف " {[9]} .

الخامسة-تعرض قوم لتعديد منافع العصا منهم ابن عباس ، قال : إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصر الرشا وصلته بالعصا ، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض وألقيت عليها ما يظلني ، وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها ، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة ، وأقاتل بها السباع عن الغنم .

وروى عنه ميمون بن مهران قال : إمساك العصا سنة للأنبياء ، وعلامة للمؤمن . وقال الحسن البصري : فيها ست خصال : سنة للأنبياء ، وزينة الصلحاء ، وسلاح على الأعداء ، وعون للضعفاء ، وغم المنافقين ، وزيادة في الطاعات . ويقال : إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ، ويخشع منه المنافق والفاجر ، وتكون قبلته إذا صلى ، وقوة إذا أعيا . ولقي الحجاج أعرابيا فقال : من أين أقبلت يا أعرابي ؟ قال : من البادية . قال : وما في يدك ؟ قال : عصاي أركزها لصلاتي{[10]} ، وأعدها لعداتي ، وأسوق بها دابتي ، وأقوى بها على سفري ، وأعتمد بها في مشيتي لتتسع خطوتي ، وأثب بها النهر ، وتؤمنني من العثر ، وألقي عليها كسائي فيقيني الحر ، ويدفئني من القر ، وتدني إلي ما بعد مني ، وهي محمل سفرتي ، وعلاقة إداوتي ، أعصي بها عند الضراب ، وأقرع بها الأبواب ، وأتقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان ، وعن السيف عند منازلة الأقران ، ورثتها عن أبي ، وأورثها بعدي ابني ، وأهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى ، كثيرة لا تحصى .

قلت : منافع العصا كثيرة ، ولها مدخل في مواضع من الشريعة : منها أنها تتخذ قبلة في الصحراء ، وقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام عَنَزَة{[11]} تركز له فيصلي إليها ، وكان إذا خرج يوم العيد أم بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها ، وذلك ثابت في الصحيح . والحربة والعنزة والنيزك والآلة اسم لمسمى واحد . وكان له محجن وهو عصا معوجة الطرف يشير به إلى الحجر إذا لم يستطع أن يقبله ، ثابت في الصحيح أيضا . وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، وكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر . وفي الصحيحين : أنه عليه الصلاة والسلام كان له مخصرة{[12]} . والإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا ، فالعصا مأخوذة من أصل كريم ، ومعدن شريف ، ولا ينكرها إلا جاهل . وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة المعاندون . واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته . وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته ، وكان يخطب بالقضيب - وكفى بذلك فضلا على شرف حال العصا - وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء ، وعادة العرب العرباء ، الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام ، وفي المحافل والخطب . وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني . والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم . قال مالك : كان عطاء بن السائب يمسك المخصرة يستعين بها . قال مالك : والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه .

قلت : وفي مشيته كما قال بعضهم :

قد كنت أمشي على رجلين معتمدا *** فصرت أمشي على أخرى من الخشب

قال مالك رحمه الله ورضي عنه : وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكؤون عليها ، حتى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم ، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حتى يقوم . ومن منافع العصا ضرب الرجل نساءه بها فيما يصلحهم ، ويصلح حاله وحالهم معه . ومنه قوله عليه السلام ( وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه{[13]} ) في إحدى الروايات . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال لرجل أوصاه : ( لا ترفع عصاك عن أهلك أخفهم في الله ) رواه عبادة بن الصامت ، خرجه النسائي . ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( علق سوطك حيث يراه أهلك ) وقد تقدم هذا في " النساء " {[14]} . ومن فوائدها التنبيه على الانتقال من هذه الدار ، كما قيل لبعض الزهاد : مالك تمشي على عصا ولست بكبير ولا مريض ؟ قال إني أعلم أني مسافر ، وأنها دار قلعة ، وأن العصا من آلة السفر ، فأخذه بعض الشعراء فقال :

حملتُ العصا لا الضعفُ أوجب حملها *** عليَّ ولا أني تحنيت من كبر

ولكنني ألزمتُ نفسيَ حملها *** لأُعلمها أن المقيم على سفر


[11039]:راجع جـ 9 ص 152 وص 357.
[11040]:راجع جـ 7 ص 152.
[11041]:راجع جـ 9 ص 357.
[11042]:في جـ و ط و ك و ي: المسئول.
[11043]:وروى عن النخعي أيضا أنه قرأ: "وأهش" بضم الهمزة والشين من "أهش" رباعيا.
[11044]:المهيع: الطريق الواضح الواسع البين.
[11045]:راجع جـ 7 ص 325 وص 327 فما بعد.
[11046]:راجع جـ 14 ص 264 فما بعد.
[11047]:راجع جـ 7 ص 325 وص 327 فما بعد.
[11048]:في ج: لصواتي.
[11049]:العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا، وفيها سنان مثل سنان الرمح.
[11050]:المخصرة بالخاء المعجمة والصاد المهملة: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب وقد يتكئ عليه. النهاية.
[11051]:هذا من حديث فاطمة بنت قيس ، حيث جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها فقال: "أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له" الترمذي.
[11052]:راجع جـ ص 174.

[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[2]:في بعض النسخ: "أبي قاسم"
[3]:في بعض النسخ: "المسيي".
[4]:آية 92 سورة الحج
[5]:آية 98 سورة النحل
[6]:قوله: يقال له خنزب. في نهاية ابن الأثير: "قال أبو عمرو: وهو لقب له، والخنزب (بالفتح): قطعة لحم ويروى بالكسر والضم".
[7]:الزيادة عن لسان العرب مادة (حجر).
[8]:هو النابغة الذبياني، كما في لسان العرب (شطن)
[9]:الزيادة عن لسان العرب مادة (شطن).
[10]:في الأصول: "إذ بطل" والتصويب عن اللسان
[11]:الفائل: عرق في الفخذين يكون في خربة الورك ينحدر في الرجلين.
[12]:عكاه في الحديد والوثاق إذا شده.
[13]:راجع ج 11 ص 111وفي ج 13 ص 121.
[14]:أي وقال الله هي: مقسومة.