السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

ولما سأل تعالى موسى عليه السلام عن ذلك أجاب بأربعة أشياء ثلاثة على التفصيل وواحد على الإجمال أوّلها : { قال هي عصاي } وقد تم الجواب بذلك إلا أنه عليه السلام ذكر الوجوه الأخر لأنه كان يحب المكالمة مع ربه فجعل ذلك كالوسيلة إلى تحصيل هذا الغرض . ثانيها : قوله : { أتوكأ } أي : أعتمد { عليها } إذا مشيت وإذا عييت وإذا وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة . ثالثها : قوله : { وأهش } أي : أخبط ورق الشجر { بها } ليسقط { على غنمي } لتأكله فبدأ عليه السلام أولاً بمصالح نفسه في قوله : { أتوكأ عليها } ثم بمصالح رعيته في قوله : { أهش بها على غنمي } وكذلك في القيامة يقول نفسي نفسي ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر الأمّة { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } [ الأنفال ، 33 ] " اللهمّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون " فلا جرم يوم القيامة يبدأ أيضاً بأمّته فيقول : " أمّتي أمّتي " رابعها قوله : { ولي فيها مآرب } جمع مأربة بتثلث الراء حوائج ومنافع { أخرى } كحمل الزاد والسقي وطرد الهوام وإنما أجمل في المآرب رجاء أن يسأله ربه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله تعالى مرّة أخرى ويطول أمر المكالمة بسبب ذلك وقيل : انقطع لسانه بالهيبة فاجمل وقيل : اسم العصا نبعة وقيل : في المآرب كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن حناء بالمحجن وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أداوته من القوس والكنانة والحلاب وغيرها وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل والزندين بفتح الزاي تثنية زند وزندة والزند العود الأعلى الذي تقدح به النار والزندة السفلى فيها ثقب فإذا اجتمعا قيل : زندان ولم نقل زندتان وإذا قصر رشاؤه وصله بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً ويكونان شمعتين بالليل وإذا ظهر عدوّ حاربت عنه وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام وروي عن ابن عباس أنها كانت تماشيه وتحدّثه ولما ذكر موسى هذه الجوابات لربه .