فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

{ قال هي عصاي } وقرئ عصي على لغة هذيل قال ابن عباس : أعطاه ملك من الملائكة إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض فيخرج له النبات ، ويهش بها على غنمه ورق الشجر . وعن قتادة : كانت تضيء له بالليل ، وكانت عصا آدم عليه السلام ورثها شعيب وأعطاها لموسى بعد أن زوّجه ابنته . وقيل كان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن واسمها تبعة { أتوكأ } أي أتحامل { عليها } في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف على قطيع الغنم وعند الوثوب والنهوض للقيام ، ومنه الاتكاء .

{ وأهش بها على غنمي } هش بالعصا يهش هشا إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق ، أي أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي ؛ قاله عكرمة . وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف .

وقرأ النخعي أهس بالسين المهملة ، وهو زجر الغنم ، وكذا قرأ عكرمة ، وقيل هما لغتان بمعنى واحد ، ولما ذكر تفصيل منافع العصا عقبه بالإجمال فقال : { ولي فيها مآرب } أي حوائج { أخرى } قاله مجاهد وقتادة ، واحدها مأربة مثلث الراء ، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب ، والقياس أخر ، وإنما قال أخرى ردا إلى الجماعة أو لنسق الأخرى ، ولما ذكر بعضها شكرا أجمل الباقي حياء من التطويل أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام ويتلذذ بالخطاب .

وقد تعرض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء ، منها قول العرب :

عصاي أركزها لصلاتي وأعدها لعداتي وأسوق بها دابتي وأقوى بها على سفري وأعتمد عليها في مشيتي ليتسع خطوي ، وأثب بها النهر وتؤمنني العثر وألقي عليها كسائي فتقيني الحر وتدفيني من القر وتدني إلى ما بعد مني ، وهي تحمل سفرتي وعلاقة أدواتي ، أعصي{[1186]} بها عند الضراب وأقرع بها الأبواب وأقي بها عقور الكلاب ، وتنوب عن الرمح في الطعان وعن السيف عند منازلة الأقران ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بني . أ ه .

وقال الشوكاني : قد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين . وذكر فيه أخبارا وأشعارا وفوائد لطيفة ونكتا رشيقة ، وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرة المعاندين ، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته ، وكان ابن مسعود صاحب عصاة النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته ؛ وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده ، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام وفي المحافل والخطب .

وقاتل بعضهم : إمساك العصا سنة الأنبياء وزينة الصلحاء وسلاح على الأعداء وعون الضعفاء وغم المنافقين وزيادة في الطاعات .

ويقال إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ويخشع منه المنافق والفاجر وتكون قبلته إذا صلى وقوته إذا أعيا .


[1186]:يقال عصى بالسيف يعصي إذا ضرب به، أ.هـ صحاح.