الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ} (18)

قوله : { هِيَ عَصَايَ } : " هي " تعود على المُسْتَفْهَمِ عنه . وقرأ العامَّةُ " عصايَ " بفتح الياء ، والجحدري وابن أبي إسحاق " عَصَيَّ " بالقلب والإِدغام . وقد تقدم في أول البقرة توجيهُ ذلك ، ولمَنْ تُنْسَبُ هذه اللغةُ ، والشعرُ المَرْوِيُّ في ذلك . ورُوي عن أبي عمرو وابن أبي إسحاق أيضاً " عَصَاْيْ " بسكونها وصلاً . وقد فَعَلَ نافعٌ مثلَ ذلك في " مَحْيَاْيْ " فجمع بين ساكنين وصلاً ، وتقدَّم الكلام هناك .

قوله : { أَتَوَكَّأُ } يجوز أن يكونَ خبراً ثانياً ل " هي " ، ويجوز أن يكونَ حالاً : إمَّا مِنْ " عصايَ " ، وإمَّا من الياء . وفيه بُعْدٌ ؛ لأنَّ مجيءَ الحالِ من المضاف/ إليه قليلٌ ، وله مع ذلك شروطٌ ليس فيه شيءٌ منها هنا . ويجوز أن تكون جملةً مستأنفةً . وجَوزَّ أبو البقاء نقلاً عن غيره أن تكونَ " عصايَ " منصوبةً بفعل مقدَّر ، و " أتوكَّأُ " هو الخبر ، ولا ينبغي أَنْ يقال ذلك .

والتوَكُّؤ : التحامُلُ على الشيءِ ، وهو بمعنى الاتكاء . وقد تقدَّم تفسيرُه في يوسف فهما من مادةٍ واحدة ، وذكَرْتُه هنا لاختلاف وَزْنَيْهما .

والهَشُّ بالمعجمةِ الخَبْطُ . يقال : هَشَشْتُ الوَرَقَ أَهُشُّه أي : خَبَطْتُه ليسقطَ ، وأمَّا هَشَّ يَهِش بكسر العين في المضارع فبمعنى البَشاشة ، وقد قرأ النخعي بذلك فقيل : هو بمعنى أهُشُّ بالضمِّ ، والمفعولُ محذوفٌ في القراءتين أي : أهشُّ الورقَ أو الشجرَ . وقيل : هو في هذه القراءةِ مِنْ هَشَّ هَشاشةً إذا مال . وقرأ الحسن وعكرمة " وأَهُسُّ " بضم الهاءِ والسينِ المهملة وهو السَّوْقُ ، ومنه الهَسُّ والهَساس ، وعلى هذا فكان ينبغي أن يتعدَّى بنفسه ، ولكنه ضُمِّنَ معنى ما يتعدَّى ب " على " وهو أَقوم . ونقل ابن خالويه عن النخعي أنه قرأ " وأُهِشُّ " بضم الهمزة وكسر الهاء مِنْ " أَهَشَّ " رباعياً وبالمهملة ، ونقلها عنه الزمخشري بالمعجمة فيكون عنه قراءات .

ونقل صاحب " اللوامح " عن مجاهد وعكرمة " وأَهُشُ " بضم الهاء وتخفيف الشين قال : " ولا أعرف لها وجهاً " إلاَّ أَنْ يكونَ قد استثقل التضعيف مع تفشِّي الشين فخفف ، وهو بمعنى قراءة العامة .

وقرأ بعضهم " غَنْمي " بسكون النون ولا ينقاس . والمآرب : جمع مَأْرَبة وهي الحاجة وكذلك الإِرْبة أيضاً . وفي راء " المأربة " الحركاتُ الثلاثُ . و " أخرى " كقوله : { الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 110 ] وقد تقدم قريباً . قال أبو البقاء : " ولو قيل " أُخَر " لكانَ على اللفظ " يعني : " أُخَر " بضمِّ الهمزة وفتح الخاء ، وباللفظ لفظ الجمع . ونقل الأهوازي عن شيبة والزهري " مارب " قال " بغيرِ همزٍ " كذا أَطْلق . والمرادُ بغير همز محقق بل مُسَهَّلٌ بين بين ، وإلاَّ فالحذفُ بالكليَّةِ شاذٌّ .