المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

4- يسألك المؤمنون - أيها الرسول - ماذا أحل الله لهم من طعام وغيره فقل لهم : أحلّ الله لكم كل طيب تستطيبه النفوس السليمة ، وأحلّ لكم ما تصطاده الجوارح التي علمتموها الصيد بالتدريب ، مستمدين ذلك مما علمكم الله . فكلوا من صيدها الذي أرسلتموها إليه وأمسكته عليكم ، واذكروا اسم الله عند إرسالها ، واتقوا الله بالتزام ما شرع لكم ، ولا تتجاوزوه ، واحذروا مخالفة الله فيه ، فإنه سريع الحساب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

( يسألونك : ماذا أحل لهم ؟ قل : أحل لكم الطيبات ، وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله . فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه . واتقوا الله ، إن الله سريع الحساب . اليوم أحل لكم الطيبات ، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم ، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم - إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان - ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) . .

إن هذا السؤال من الذين آمنوا عما أحل لهم ؛ يصور حالة نفسية لتلك الجماعة المختارة ، التي سعدت بخطاب الله تعالى لها أول مرة ؛ ويشي بما خالج تلك النفوس من التحرج والتوقي من كل ما كان في الجاهلية ؛ خشية أن يكون الإسلام قد حرمه ؛ وبالحاجة إلى السؤال عن كل شيء للتثبت من أن المنهج الجديد يرتضيه ويقره .

والناظر في تاريخ هذه الفترة يلمس ذلك التغيير العميق الذي أحدثه الإسلام في النفس العربية . . لقد هزها هزا عنيفا نفض عنها كل رواسب الجاهلية . . لقد أشعر المسلمين - الذين التقطهم من سفح الجاهلية ليرتفع بهم إلى القمة السامقة - أنهم يولدون من جديد ؛ وينشأون من جديد . كما جعلهم يحسون إحساسا عميقا بضخامة النقلة ، وعظمة الوثبة ، وجلال المرتقى ، وجزالة النعمة . فأصبح همهم أن يتكيفوا وفق هذا المنهج الرباني الذي لمسوا بركتة عليهم . وأن يحذروا عن مخالفته . . وكان التحرج والتوجس من كل ما ألفوه في الجاهلية هو ثمرة هذا الشعور العميق ، وثمرة تلك الهزة العنيفة .

لذلك راحوا يسألون الرسول [ ص ] بعد ما سمعوا آيات التحريم :

( ماذا أحل لهم ؟ ) .

ليكونوا على يقين من حلة قبل أن يقربوه .

وجاءهم الجواب :

( قل : أحل لكم الطيبات . . . ) . .

وهو جواب يستحق التأمل . . إنه يلقي في حسهم هذه الحقيقة : إنهم لم يحرموا طيبا ، ولم يمنعوا عن طيب ؛ وإن كل الطيبات لهم حلال ، فلم يحرم عليهم إلا الخبائث . . والواقع أن كل ما حرمه الله هو ما تستقذره الفطرة السليمة من الناحية الحسية . كالميتة والدم ولحم الخنزير . أو ينفر منه القلب المؤمن كالذي أهل لغير الله به أو ما ذبح على النصب ، أو كان الاستقسام فيه بالأزلام . وهو نوع من الميسر .

ويضيف إلى الطيبات - وهي عامة - نوعا منها يدل على طيبته تخصيصه بالذكر بعد التعميم ؛ وهو ما تمسكه الجوارح المعلمه المدربة على الصيد كالصقر والبازي ، ومثلها كلاب الصيد ، أو الفهود والأسود . مما علمه أصحابه كيف يكلب الفريسة : أي يكبلها ويصطادها :

( وما علمتم من الجوارح مكلبين ، تعلمونهن مما علمكم الله . فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ، إن الله سريع الحساب ) . .

وشرط الحل فيما تمسكه هذه الجوارح المكبلة المعلمة المدربة ، أن تمسك على صاحبها : أي أن تحتفظ بما تمسكه من الصيد ؛ فلا تأكل منه عند صيده ؛ إلا إذا غاب عنها صاحبها ، فجاعت . فإنها إن أكلت من الفريسة عند إمساكها لها ، لا تكون معلمة ؛ وتكون قد اصطادت لنفسها لا لصاحبها فلا يحل له صيدها . ولو تبقى منها معظم الصيد لم تأكله ؛ ولو جاءت به حيا ولكنها كانت أكلت منه ؛ فلا يذكى ؛ ولو ذبح ما كان حلالا . .

والله يذكر المؤمنين بنعمته عليهم في هذه الجوارح المكلبة ؛ فقد علموها مما علمهم الله . فالله هو الذي سخر لهم هذه الجوارح ؛ وأقدرهم على تعليمها ؛ وعلمهم هم كيف يعلمونها . . وهي لفتة قرآنية تصور أسلوب التربية القرآني ، وتشي بطبيعة المنهج الحكيم الذي لا يدع لحظة تمر ، ولا مناسبة تعرض ، حتى يوقظ في القلب البشري الإحساس بهذه الحقيقة الأولى : حقيقية أن الله هو الذي أعطى كل شيء . هو الذي خلق ، وهو الذي علم ، وهو الذي سخر ؛ وإليه يرجع الفضل كله ، في كل حركة وكل كسب وكل إمكان ، يصل إليه المخلوق . . فلا ينسى المؤمن لحظة ، أن من الله ، وإلى الله ، كل شيء في كيانه هو نفسه ؛ وفيما حوله من الأشياء والأحداث ؛ ولا يغفل المؤمن لحظة عن رؤية يد الله وفضله في كل عزمة نفس منه ، وكل هزة عصب ، وكل حركة جارحة . . ويكون بهذا كله " ربانيًا " على الاعتبار الصحيح .

والله يعلم المؤمنين أن يذكروا اسم الله على الصيد الذي تمسك به الجوارح . ويكون الذكر عند إطلاق الجارح إذ أنه قد يقتل الصيد بنابه أو ظفره ؛ فيكون هذا كالذبح له ؛ واسم الله يذكر عند الذبح ، فهو يذكر كذلك عند إطلاق الجارح سواء .

ثم يردهم في نهاية الآية إلى تقوى الله ؛ ويخوفهم حسابه السريع . . فيربط أمر الحل والحرمة كله بهذا الشعور الذي هو المحور لكل نية وكل عمل في حياة المؤمن ؛ والذي يحول الحياة كلها صلة بالله ، وشعورا بجلاله ، ومراقبة له في السر والعلانية :

( واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها ، إما في بَدَنِه ، أو في دينه ، أو فيهما ، واستثنى ما استثناه في حالة{[9084]} الضرورة ، كما قال : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } [ الأنعام : 119 ] قال بعدها : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } كما [ قال ]{[9085]} في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم : أنه { يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [ الآية : 157 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر ، حدثني عبد الله بن لَهِيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن عَدِيّ بن حاتم ، وزيد بن المهَلْهِل الطائيين{[9086]} سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا يا رسول الله ، قد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } قال سعيد [ بن جبير ]{[9087]} يعني : الذبائح الحلال الطيبة لهم . وقال مقاتل : [ بن حيان ]{[9088]} [ في قوله : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } ]{[9089]} فالطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه{[9090]} وهو الحلال من الرزق . وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال : ليس هو من الطيبات .

رواه ابن أبي حاتم{[9091]} وقال ابن وَهْبٍ : سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس . فقال : ليس هو من الطيبات .

وقوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } أي : أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق ، وأحل لكم ما اصطدتموه{[9092]} بالجوارح ، وهي من الكلاب والفهود والصقور وأشباه ذلك ، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة ، وممن قال ذلك : علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } وهن{[9093]} الكلاب المعلمة{[9094]} والبازي ، وكل طير يعلم للصيد{[9095]} والجوارح : يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها .

رواه ابن أبى حاتم ، ثم قال : وروي عن خَيْثَمَة ، وطاوس ، ومجاهد ، ومكحول ، ويحيى بن أبي كثير ، نحو ذلك . وروي عن الحسن أنه قال : الباز والصقر من الجوارح . وروي عن علي بن الحسين مثله . ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله ، وقرأ قول الله [ عز وجل ]{[9096]} { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } قال : وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك .

ونقله ابن جرير عن الضحاك والسُّدِّي ، ثم قال : حدثنا هَنَّاد ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا ابن جُرَيْجٍ ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أما ما صاد من الطير البُزاة وغيرها من الطير ، فما أدركتَ فهو لك ، وإلا فلا تطعمه .

قلت : والمحكي عن الجمهور أن صيد الطيور كصيد الكلاب{[9097]} ؛ لأنها تَكْلَبُ الصيد بمخالبها{[9098]} كما تكلبه الكلاب ، فلا فرق . وهذا{[9099]} مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد ، حدثنا عيسي بن يونس ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي ، فقال : " ما أمسك عليك فَكُلْ " . {[9100]}

واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود ؛ لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه ؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَقْطَع الصلاةَ الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ " فقلت : ما بال الكلب الأسود من الأحمر{[9101]} ؟ فقال : " الكلب الأسود شيطان " {[9102]} وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، ثم قال : " ما بالهم وبال الكلاب ، اقتلوا{[9103]} منها كل أسود بَهِيم " . {[9104]}

وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن : جوارح ، من الجرح ، وهو : الكسب . كما تقول{[9105]} العرب : فلان جَرح أهله خيرا ، أي : كسبهم خيرا . ويقولون : فلان لا جارح له ، أي : لا كاسب له ، وقال الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] أي : ما كسبتم من خير وشر .

وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم : حدثنا حجاج بن حمزة ، حدثنا زيد بن الحُبَاب ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ، فقتلت ، فجاء الناس فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت{[9106]} بقتلها ؟ قال : فسكت ، فأنزل الله : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسل الرجل كلبه وسَمَّى ، فأمسك عليه ، فليأكل ما لم يأكل " .

وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيْب ، عن زيد بن الحباب بإسناده ، عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن{[9107]} عليه ، فأذن له فقال : قد أذنا لك يا رسول الله . قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ، قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت ، حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأنزل الله عز وجل : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ }

ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق ، عن أبَان بن صالح ، به . وقال : صحيح ولم يخرجاه . {[9108]}

وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيْج ، عن عِكْرَمة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا{[9109]} رافع في قتل الكلاب ، حتى بلغ العَوالي فدخل{[9110]} عاصم بن عَدِيٍّ ، وسعد بن خَيْثَمةَ ، وعُوَيْم بن ساعدة ، فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } [ الآية ]{[9111]}

ورواه الحاكم من طريق سِمَاك ، عن عكرمة{[9112]} وهكذا قال محمد بن كعب القُرَظِيّ في سبب نزول هذه الآية : إنه في قتل الكلاب .

وقوله تعالى : { مُكَلِّبِينَ } يحتمل أن يكون حالا من الضمير في { عَلَّمْتُمْ } فيكون حالا من الفاعل ، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول وهو { الْجَوَارِحِ } أي : وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلَّبات للصيد ، وذلك أن تقتنصه{[9113]} [ الجوارح ]{[9114]} بمخالبها أو أظفارها{[9115]} فيستدل بذلك - والحالة هذه - على أن الجارحة إذا قتل الصيد بصدمته أو بمخلابه وظفره أنه لا يحل ، كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء ؛ ولهذا قال : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } وهو أنه إذا أرسله استرسل ، وإذا أشلاه استشلى{[9116]} وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه ؛ ولهذا قال تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } فمتى كان{[9117]} الجارحة معلما وأمسك على صاحبه ، وكان قد ذكر اسم الله عند إرساله حل الصيد ، وإن قتله بالإجماع .

وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، كما ثبت في الصحيحين عن عَدِيّ بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرسل الكلاب المعلَّمة وأذكر اسم الله . فقال : " إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك{[9118]} عليك " . قلت : وإن قتلن ؟ قال : " وإن قتلن ما لم يشركها كلب{[9119]} ليس منها ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " . قلت له : فإني أرمي بالمِعْرَاض الصيد فأصيب ؟ فقال : " إذا رميت بالمعراض فَخَزق{[9120]} فكله ، وإن أصابه بعَرْض فإنه وَقِيذٌ ، فلا تأكله " . وفي لفظ لهما : " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ، فإن أخْذ الكلب ذكاته " . وفي رواية لهما : " فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه . " {[9121]} فهذا دليل للجمهور{[9122]} وهو الصحيح من مذهب الشافعي ، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ، ولم يستفصلوا كما ورد بذلك الحديث . وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا : لا يحرم مطلقا .

ذكر الآثار بذلك :

قال ابن جرير : حدثنا هَنَّاد ، حدثنا وَكِيع ، عن شُعْبَة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان الفارسي : كل وإن أكل ثلثيه{[9123]} - يعني الصيد - إذا أكل منه الكلب . وكذا رواه سعيد بن أبي عَرُوبَة ، وعمر{[9124]} بن عامر ، عن قتادة . وكذا رواه محمد بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان .

ورواه ابن جرير أيضا عن مجاهد بن{[9125]} موسى ، عن يزيد ، عن بكر بن عبد الله المُزَنِيّ{[9126]} والقاسم ؛ أن{[9127]} سلمان قال : إذا أكل الكلب فكل ، وإن أكل ثلثيه .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وَهْب ، أخبرني مَخْرَمَة بن بُكَيْر{[9128]} عن أبيه ، عن حميد بن مالك بن خُثَيْم{[9129]} الدؤلي ؛ أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال : كل ، وإن لم يبق منه إلا حِذْيَة{[9130]} - يعني : [ إلا ]{[9131]} بضعة .

ورواه شعبة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن بكير بن الأشَجِّ ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن أبي وقاص قال : كل وإن أكل ثلثيه .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن المُثَنَّى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن أبي هريرة قال : لو أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المُعْتَمِر قال : سمعت عُبَيد الله{[9132]} وحدثنا هناد ، حدثنا{[9133]} عبدة ، عن عبيد الله{[9134]} بن عمر - عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله{[9135]} فكل ما أمسك عليك ، أكل أو لم يأكل .

وكذا رواه عبيد الله{[9136]} بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد ، عن نافع .

فهذه الآثار ثابتة عن سلمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وابن عمر . وهو محكي عن علي ، وابن عباس . واختلف فيه عن عطاء ، والحسن البصري . وهو قول الزهري ، وربيعة ، ومالك . وإليه ذهب الشافعي في القديم ، وأومأ إليه في الجديد .

وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعا ، فقال ابن جرير : حدثنا عمران بن بَكَّار الكُلاعِيّ ، حدثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني ، حدثنا محمد بن دينار - هو الطاحي - عن أبي إياس معاوية بن قُرَّة ، عن سعيد بن المسيَّب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه ، وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي " .

ثم قال ابن جرير : وفي إسناد هذا الحديث نظر ، وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان ، والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع . {[9137]}

وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح ، لكن قد روي هذا المعنى مرفوعا من وجوه أخر ، فقال أبو داود : حدثنا محمد بن مِنْهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زُرَيْع ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عَمْرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أن أعرابيا - يقال له : أبو ثعلبة - قال : يا رسول الله ، إن لي كلابا مُكَلَّبة ، فأفتني في صيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن كان لك كلاب مكلبة ، فكل مما أمسكن عليك " . فقال : ذكيا وغير ذكي ؟ قال : " نعم " . قال : وإن أكل منه ؟ قال : " نعم ، وإن أكل منه " . قال : يا رسول الله ، أفتني في قوسي . فقال : " كُلْ ما ردت عليك قوسك " قال : ذكيا وغير ذكي ؟ قال : " وإن تغيب عنك ما لم يصل ، أو تجد فيه أثر غير سهمك " . قال : أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها . قال : " اغسلها وكل فيها " . {[9138]} .

هكذا رواه أبو داود{[9139]} وقد أخرجه النسائي . وكذا رواه أبو داود ، من طريق بُسْر بن عبيد الله{[9140]} عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ثعلبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك " {[9141]}

وهذان إسنادان جيدان ، وقد روى الثوري ، عن سِماك بن حَرْب ، عن عَدِيٍّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان من كلب ضار أمسك عليك ، فكل " . قلت : وإن أكل ؟ قال : " نعم " .

وروى عبد الملك بن حبيب : حدثنا أسد بن موسى ، عن ابن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن عَدي مثله . {[9142]}

فهذه آثار دالة على أنه يغتفر إن أكل منه الكلب . وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه ، كما تقدم عمن حكيناه عنهم ، وقد توسط آخرون فقالوا : إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم . وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع{[9143]} فأكل من الصيد لجوعه ، فإنه لا يؤثر في التحريم . وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخُشَنِيّ ، وهذا تفريق حسن ، وجمع بين الحديثين صحيح . وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجُوَيني في كتابه " النهاية " أن لو فصل مفصل هذا التفصيل ، وقد حقق الله أمنيته ، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم ، وقال آخرون قولا رابعا في المسألة ، وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عَدِيّ ، وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم ؛ لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن حماد ، عن{[9144]} إبراهيم ، عن ابن عباس ؛ أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يَعُدْ ، وإن تَعَلّم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل . {[9145]}

وكذا قال إبراهيم النَّخَعِي ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان .

وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا المحاربي ، حدثنا مُجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فما يحل لنا منها ؟ قال : " يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه " ثم قال : " ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه ، فكل مما أمسك عليك " . قلت : وإن قتل ؟ قال : " وإن قتل ، ما لم يأكل " . قلت : يا رسول الله ، وإن خالطت كلابنا كلابا غيرها ؟ قال : فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك " . قال : قلت : إنا قوم نرمي ، فما يحل لنا ؟ قال : " ما ذكرت اسم الله عليه وخزَقَتْ فكل " .

فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب ألا يأكل ، ولم يشترط ذلك في البزاة ، فدل على التفرقة بينهما في الحكم ، والله أعلم .

وقوله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } أي : عند الإرسال ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم{[9146]} وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك " . وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضا : " إذا أرسلت كلبك ، فاذكر اسم الله ، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " ؛ ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كأحمد [ بن حنبل ]{[9147]} - في المشهور عنه{[9148]} - التسمية - عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث ، وهذا القول هو المشهور عن{[9149]} الجمهور ، أن{[9150]} المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال ، كما قال{[9151]} السُّدِّي وغير واحد .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } يقول : إذا أرسلت جارحك فقل : باسم الله ، وإن نسيت فلا حرج .

وقال بعض الناس : المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَّم رَبِيبه عمر بن أبي سلمة فقال : " سَمّ الله ، وكُل بيمينك ، وكل مما يليك " . {[9152]} وفي صحيح البخاري : عن عائشة أنهم قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا - حديث عهدهم بكفر - بلُحْمانٍ لا ندري أذكر اسم الله عليها{[9153]} أم لا ؟ فقال : " سَمّوا الله أنتم وكلوا . " {[9154]}

حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا هشام ، عن بُدَيل ، عن عبد الله بن عُبَيد بن عُمَير ، عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه ، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه لو{[9155]} كان ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل : باسم الله{[9156]} أوله وآخره " .

وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، به{[9157]} وهذا منقطع بين عبد الله{[9158]} بن عبيد بن عمير وعائشة ، فإنه لم يسمع منها هذا الحديث ، بدليل ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا عبد الوهاب ، أخبرنا هشام - يعني ابن أبي عبد الله الدَّسْتَوائي - عن بديل ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ؛ أن امرأة منهم - يقال لها : أم كلثوم - حدثته ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه ، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين ، فقال : " أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل : باسم الله أوله وآخره " .

[ و ]{[9159]} رواه أحمد أيضا ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي من غير وجه ، عن هشام الدستوائي ، به{[9160]} وقال الترمذي : حسن صحيح .

حديث آخر : وقال أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا جابر بن صبح{[9161]} حدثني المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ، وصحبته إلى واسط ، فكان يسمي في أول طعامه{[9162]} وفي آخر لقمة يقول : بسم الله أوله وآخره .

فقلت له : إنك تسمي في أول ما تأكل ، أرأيت{[9163]} قولك في آخر ما تأكل : باسم الله أوله وآخره ؟ فقال : أخبرك عن ذلك إن جدي أمية بن مخشى{[9164]} - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول : إن رجلا كان يأكل ، والنبي ينظر ، فلم يسم ، حتى كان في آخر طعامه لقمة ، فقال : باسم الله أوله وآخره . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سَمّى ، فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه " .

وهكذا رواه أبو داود والنسائي ، من حديث جابر بن صبح{[9165]} الراسبي أبي بشر البصري{[9166]} ووثقه ابن مَعِين والنسائي ، وقال أبو الفتح الأزدي : لا تقوم به الحجة . {[9167]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن خَيْثَمَة ، عن أبي حذيفة قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد : واسمه سلمة بن الهيثم بن صهيب - من أصحاب ابن مسعود - عن حذيفة قال : كنا إذا حضرنا مع النبي [ صلى الله عليه وسلم ]{[9168]} على طعام ، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[9169]} فيضع يده ، وإنا حضرنا معه طعاما فجاءت جارية ، كأنما تُدفع ، فذهبت تضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، وجاء أعرابي كأنما يُدفع ، فذهب يضع يده في الطعام ، فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[9170]} بيده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يَسْتَحِلُّ الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل{[9171]} بها ، فأخذت بيدها ، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به ، فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده ، إن يده في يدي مع يدهما{[9172]} يعني الشيطان . وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث الأعمش به . {[9173]}

حديث آخر : روى مسلم وأهل السنن إلا الترمذي{[9174]} من طريق ابن جُرَيْج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله{[9175]} عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مَبِيت لكم ولا عَشَاء ، وإذا دخل فلم{[9176]} يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم{[9177]} المبيت ، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم{[9178]} المبيت والعشاء " . لفظ أبي داود .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن وَحْشِيّ بن حَرْب بن وَحْشِي بن حَرْب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أن رجل{[9179]} تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله ، يبارك لكم فيه " .

ورواه أبو داود ، وابن ماجه ، من طريق الوليد بن مسلم . {[9180]}


[9084]:في ر، أ: "في حال".
[9085]:زيادة من أ.
[9086]:في أ: "الطائي".
[9087]:زيادة من أ.
[9088]:زيادة من د، أ.
[9089]:زيادة من أ.
[9090]:في أ: "أن تصيبوه"
[9091]:سنن أبي داود برقم (2817).
[9092]:في د: " ما صدتموه".
[9093]:في د: "وهي".
[9094]:في أ: "المعلمين".
[9095]:في د، أ: "يعلم الصيد".
[9096]:زيادة من ر.
[9097]:في د: "كالصيد بالكلاب".
[9098]:في ر: "بمخاليبها".
[9099]:في د: "وهو".
[9100]:تفسير الطبري (9/550).
[9101]:في أ: "الأصفر".
[9102]:صحيح مسلم برقم (510).
[9103]:في أ: "وقالوا".
[9104]:صحيح مسلم برقم (1573) وسنن أبي داود برقم (74) وسنن النسائي (1/177) وسنن ابن ماجة برقم (365).
[9105]:في أ: "يقول".
[9106]:في د: "أمر".
[9107]:في ر: "يستأذن عليه".
[9108]:ورواه الطبري في تفسيره (9/545) من طريق زيد بن الحباب به، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (1/326) من طريق موسى بن عبيدة به. قال الهيثمي في المجمع (4/42): "فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف". قلت: وقد توبع: تابعه محمد بن إسحاق. رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/235)، والحاكم في المستدرك (2/311) من طريق معلى بن منصور، عن ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق به مختصرا.
[9109]:في أ: "بعث أبي" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
[9110]:في د: "فجاء".
[9111]:زيادة من د.
[9112]:تفسير الطبري (9/546) والمستدرك (2/311).
[9113]:في د: "تصيد".
[9114]:زيادة من ر.
[9115]:في أ: "وأظفارها".
[9116]:أشلاه استشلى: أي دعاه إليه.
[9117]:في أ: "كانت".
[9118]:في أ: "أمسكن".
[9119]:في ر: "كلب ما".
[9120]:في أ: "فخرق"
[9121]:صحيح البخاري برقم (5483) وصحيح مسلم برقم (1929).
[9122]:في ر، أ: "الجمهور".
[9123]:في ر: "ثلثه".
[9124]:في أ: "وعمرو".
[9125]:في ر: "عن".
[9126]:في أ: "عن حميد عن ابن عبد الله المزني".
[9127]:في أ: "بكر".
[9128]:في أ: "بكر".
[9129]:في أ: "هشيم".
[9130]:في ر: "جذية".
[9131]:زيادة من ر.
[9132]:في أ: "عبد الله".
[9133]:في د: "بن".
[9134]:في أ: "عبد الله".
[9135]:في أ: "اسم الله عليه".
[9136]:في أ: "عبد الله".
[9137]:تفسير الطبري (9/565، 566).
[9138]:في أ: "منها".
[9139]:سنن أبي داود برقم (2857).
[9140]:في ر: "يوسف بن سيف"، وفي أ: "يونس بن سيف".
[9141]:سنن أبي داود برقم (2852) ولم أجده في سنن النسائي.
[9142]:ورواه البخاري في صحيحه برقم (5475) ومسلم في صحيحه برقم (1929) من طريق زكريا بن أبي زائدة، به.
[9143]:في أ: "فجاع".
[9144]:في ر، أ: "بن".
[9145]:تفسير الطبري (9/557).
[9146]:في أ: "المكلب".
[9147]:زيادة من ر، أ.
[9148]:في أ: "عند".
[9149]:في أ: "عند".
[9150]:في أ: "وأن".
[9151]:في أ: "قاله".
[9152]:صحيح البخاري برقم (5376) وصحيح مسلم برقم (2022).
[9153]:في ر، أ: "عليه".
[9154]:صحيح البخاري برقم (5507).
[9155]:في ر: "أما لو أنه".
[9156]:في أ: "باسم الله على".
[9157]:المسند (6/143) وسنن ابن ماجه برقم (3264).
[9158]:في أ: "عبيد الله".
[9159]:زيادة من ر.
[9160]:المسند (6/265)، (6/246) وسنن أبي داود برقم (3767) وسنن الترمذي برقم (1858) وسنن النسائي الكبرى برقم (10112).
[9161]:في أ: "صبيح"
[9162]:في أ: "الطعام".
[9163]:في أ: "أفرأيت".
[9164]:في ر: "خالد بن أمية بن مخشى".
[9165]:في أ: "صبيح".
[9166]:المسند (4/336) وسنن أبي داود برقم (3768) وسنن النسائي الكبرى برقم (10113).
[9167]:في أ: "لا يقوم به حجة.
[9168]:زيادة من أ.
[9169]:زيادة من أ.
[9170]:زيادة من و، أ.
[9171]:في أ: "فيستحل".
[9172]:في أ: "بيديهما".
[9173]:المسند (5/382) وصحيح مسلم برقم (2017) وسنن أبي داود برقم (3766) وسنن النسائي الكبرى برقم (6754).
[9174]:صحيح مسلم برقم (2018) وسنن أبي داود برقم (3765) وسنن النسائي الكبرى برقم (6757) وسنن ابن ماجة برقم (3887).
[9175]:في أ: "فذكر اسم الله".
[9176]:في أ: "ولم".
[9177]:في أ: "أدركتكم".
[9178]:في أ: "أدركتكم".
[9179]:في أ: "فعلكم".
[9180]:المسند (3/501) وسنن أبي داود برقم (3764) وسنن ابن ماجة برقم (3286).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

وسبب نزول قوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم } أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد في البيت كلباً فلم يدخل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ادخل فقال أنا لا أدخل بيتاً فيه كلب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقتلت حتى بلغت العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا يا رسول الله ، ماذا يحل لنا من هذه الكلاب{[4452]} ؟ .

قال القاضي أبو محمد : وروى هذا السبب أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كان المتولي لقتل الكلاب ، وحكاه أيضاً عكرمة ومحمد بن كعب القرظي موقوفاً عليهما وظاهر الآية أن سائلاً سأل عما أحل للنا س من المطاعم لأن قوله تعالى : { قل أحل لكم الطيبات } ليس الجواب على ما يحل لنا من اتخاذ الكلاب اللهم إلا أن يكون هذا من إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهذا موجود كثيراً من النبي صلى الله عليه وسلم كجوابه في لباس المحرم وغير ذلك ، وهو صلى الله عليه وسلم مبين الشرع ، فإنما يجاوب مادّاً أطناب التعليم لأمته ، و { الطيبات } الحلال ، هذا هو المعنى عند مالك وغيره ولا يراعى مستلذاً كان أم لا ، وقال الشافعي : { الطيبات } الحلال المستلذ وكل مستقذر كالوزغ والخنافس وغيرها فهي من الخبائث حرام .

وقوله تعالى : { وما علمتم من الجوارح } تقديره وصيد ما علمتم أو فاتخاذ ما علمتم وأعلى مراتب التعليم أن يشلى الحيوان فينشلي{[4453]} ، ويدعى فيجيب ويزجر بعد ظفره بالصيد فينزجر وأن يكون لا يأكل من صيده ، فإذا كان كلب بهذه الصفات ولم يكن أسود بهيماً فأجمعت الأمة على صحة الصيد به بشرط أن يكون تعليم مسلم ويصيد به مسلم ، هنا انعقد الإجماع فإذا انخرم شيء مما ذكرنا دخل الخلاف ، فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد تعليم فهو جارح أي كاسب يقال : جرح فلان واجترح إذا كسب ومنه قوله تعالى : { ويعلم ما جرحتم بالنهار }{[4454]} أي كسبتم من حسنة وسيئة وكان ابن عمر يقول إنما يصاد بالكلاب فأما ما صيد به من البزاة ، وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو حلال لك ، وإلا فلا تطعمه هكذا حكى ابن المنذر قال : وسئل أبو جعفر عن البازي والصقر أيحل صيده قال : لا إلا أن تدرك ذكاته قال واستثنى قوم البزاة فجوزوا صيدها لحديث عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ( إذا أمسك عليك فكل ){[4455]} ، وقال الضحاك والسدي : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب أسود بهيماً فكره صيده الحسن بن أبي الحسن وقتادة وإبراهيم النخعي . وقال أحمد بن حنبل ما أعرف أحداً يرخص فيه إذا كان بهيماً وبه قال ابن راهويه ، فأما عوام أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم .

وأما أكل الكلب من الصيد فقال ابن عباس وأبو هريرة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وقتادة وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان وأصحابه ، لا يؤكل ما بقي لأنه إنما أمسك على نفسه ولم يمسك على ربه ، ويعضد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في الكلب المعلم : وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، وتأول هؤلاء قوله تعالى : { مما أمسكن عليكم } [ المائدة : 4 ] على عموم الإمساك فمتى حصل إمساك ولو في بضعة حل أكلها وروي عن النخعي وأصحاب الرأي والثوري وحماد بن أبي سليمان أنهم رخصوا فيما أكل البازي منه ، خاصة في البازي .

قال القاضي أبو محمد : كأنه لا يمكن فيه أكثر من ذلك لأن حد تعليمه أن يدعى فيجيب وأن يشلى فينشلي ، وإذا كان الجارح يشرب من دم الصيد فجمهور الناس على أن ذلك الصيد يؤكل ، وقال عطاء : ليس شرب الدم بأكل . وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري .

قال القاضي أبو محمد : وليس في الحيوان شيء يقبل التعليم التام إلا الكلب شاذاً وأكثرها يأكل من الصيد ولذلك لم ير مالك ذلك من شروط التعليم . وأما الطير فقال ربيعة : ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري .

قال القاضي أبو محمد : لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي ، وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا صار الكلب وأمسك ثلاث مرات ولاًء فقد حصل منه التعليم ، قال ابن المنذر : وكان النعمان لا يحد في ذلك عدداً ، وقال غيرهم : إذ فعل ذلك مرة واحدة فقد حصل معلماً وإذا كان الكلب تعليم يهودي أو نصراني فكره الصيد به الحسن البصري ، فأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبد الله والحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري وإسحاق بن راهويه ، ومالك رحمه الله والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على إباحة الصيد بكلابهم إذا كان الصائد مسلماً قالوا : وذلك مثل شفرته ، وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صيده غير مالك رحمه الله فإنه لم يجوز صيد اليهودي والنصراني وفرق بين ذلك وبين ذبيحته وتلا قول الله تعالى : { تناله أيديكم ورماحكم }{[4456]} قال فلم يذكر الله بهذا اليهود ولا النصارى ، وقال ابن وهب وأشهب : صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته ، وفي كتاب محمد لا يجوز صيد الصابىء ولا ذبيحته وهم قوم بين اليهود والنصارى لا دين لهم وأما إن كان الصائد مجوسياً فمنع من أكل صيده مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وعطاء وابن جبير والنخعي والليث بن سعد وجمهور الناس ، وقال أبو ثور فيها قولين : أحدهما كقول هؤلاء ، والآخر أن المجوس أهل كتاب وأن صيدهم جائز ، وقرأ جمهور الناس «وما عَلمتم » بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية «عُلِّمتم » بضم العين وكسر اللام أي أمر الجوارح والصيد بها ، و { الجوراح } الكواسر على ما تقدم ، وحكى ابن المنذر عن قوم أنهم قالوا { الجوارح } مأخوذ من الجارح أي الحيوان الذي له ناب وظفر أو مخلب يجرح به صيده .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف ، أهل اللغة على خلافه وقرأ جمهور الناس «مكَلّبين » بفتح الكاف وشد اللام ، والمكلب معلم الكلاب وُمضريها ، ويقال لمن يعلم غير كلب : مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب ، وقرأ الحسن وأبو زيد «مكْلبين » بسكون الكاف وتخفيف اللام ومعناه أصحاب كلاب يقال : أمشى الرجل كثرت ماشيته وأكلب كثرت كلابه ، وقال بعض المفسرين : المكلب بفتح الكاف وشد اللام صاحب الكلاب .

قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بمحرر .

قوله عز وجل :

{ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

أي يعلمونهن من الحيلة في الاصطياد والتأني لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه الله الإنسان و «من » للتبعيض ، ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية وأنث الضمير في { تعلمونهن } مراعاة للفظ { الجوارح } إذ هو جمع جارحة ، وقوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم } يحتمل أن يريد مما أمسكن فلم يأكلن منه شيئاً . ويحتمل أن يريد مما «أمسكن » وإن أكلن بعض الصيد وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقد تقدم ذلك ، وقوله تعالى : { واذكروا اسم الله عليه } أمر بالتسمية عند الإرسال على الصيد ، وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد ، فقال بعض العلماء هذا الأمر على الوجوب ومتى ترك المرسل أو الذابح التسمية عمداً أو نسياناً لم تؤكل ، وممن رويت عنه كراهية ما لم يسم عليه الله نسيانا الشعبي ، نسياناً الشعبي وابن سيرين ونافع وأبو ثور ، ورأى بعض العلماء هذا الأمر بالتسمية على الندب وإلى ذلك ينحو أشهب في قوله إن ترك التسمية مستخفاً لم تؤكل وإن تركها عامداً لا يدري قدر ذلك لكنه غير متهاون بأمر الشريعة فإنها تؤكل ومذهب مالك وجمهور أهل العلم : أن التسمية واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامداً فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسياً سمى عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة ، واستحب أكثر أهل العلم أن لا يذكر في التسمية غير الله تعالى وأن لفظها بسم الله والله كبر ، وقال قوم : إن صلى مع ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فجائز ، ثم أمر تعالى بالتقوى على الجملة والإشارة الغريبة هي إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر وسرعة الحساب هي من أنه تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء علماً فلا يحتاج إلى محاولة عد ويحاسب جميع الخلائق دفعة واحدة ، وتحتمل الآية أن تكون وعيداً بيوم القيامة كأنه قال إن حساب الله لكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب ، ويحتمل أن يريد ب { الحساب } المجازاة فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتق الله .


[4452]:- أخرجه مع اختلاف مع الألفاظ الفريابي، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن أبي رافع، وأخرج ابن جرير عن عكرمة دخول عاصم بن عدي ورفيقه على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤالهم.
[4453]:- أشلى الكلب على الصيد أغراه. واستشلى الكلب بمعنى أشلاه. (المعجم الوسيط)
[4454]:- من الآية (60) (من سورة الأنعام)
[4455]:- أخرجه ابن جرير عن عدي بن حاتم. وهذا الحديث في البزاة، ولكن أخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله، فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره. (الدر المنثور).
[4456]:- من الآية (94) من سورة (المائدة).