قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } الآية{[10856]} .
وهذا أيضاً مُتَّصِلٌ بما قَبْلَهُ من ذِكْرِ المطعُومَاتِ ، وقد تقدم الكلامُ على " مَاذَا " [ وما قيل فيها فليلتفت إليه ]{[10857]} .
وقوله : " لَهُمْ " بلفظ الغَيْبَةِ لتقدمِ ضَميرِ الغَيْبةِ في قوله تعالى : " يَسْألُونَكَ " .
ولو قيل في الكلام : ماذا أحِلَّ لنا ؟ لكان جائزاً على حكايةِ الجملةِ ، كقولك : أقْسَمَ زَيْدٌ ليَضرْبَنَّ ولأضربَنَّ ، بلفظ الغيبة والتكلمِ ، إلا أن ضمير المتكلّمِ يَقْتَضي حكايةَ ما قالوا : كما أن " لأضربن " يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها ، و " ماذا أحِلّ ؟ " هذا الاستفهامُ معلّق للسؤال ، وإن لم يكن السؤالُ من أفعالِ القُلُوبِ إلاَّ أنَّهُ كان سبب العلم ، والعلم يعلق ، فكذلك سببهُ ، وقد تقدم تحريره في " البقرة " .
وقال الزمخشري{[10858]} هنا : في السؤال معنى القول ، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم ، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم ، ولا حاجة إلى تضمين السؤال معنى القول{[10859]} ؛ لما تقدم من أن السؤال يعلق بالاستفهام كمسببه .
وقال ابن الخطيب{[10860]} : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحلَّ لهم ، ومعلوم أن ذلك باطل لا يقولونه ، وإنما يقولون ماذا أحِلَّ لنا ، بل الصحيح أنه ليس حكاية لكلامهم ، بل هو بيان كيفية الواقعة .
قال القُرْطُبي{[10861]} : " مَا " فِي مَوْضِعِ رفعٍ بالابتداء ، والخبرُ " أحِلَّ لَهُمْ " ، و " ذَا " زَائِدَةٌ وإنْ شِئْتَ كانت بمعنى " الذي " ، ويكون الخبر { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } .
قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ : نزلت هذه الآيةُ في عديّ بْنِ حَاتِم ، وَزَيْدِ بْنِ المُهَلْهِلِ [ الطائيين وهو ]{[10862]} زَيْدُ الخيل الذي سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيد الخيْرِ ، فقال : " يا رسول الله ، إنّا قَوْمٌ نَصِيدُ بالكِلاَبِ ، والبزاةِ ، فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا منها ؟ " . فنزلت هذه الآية{[10863]} .
وقيل : سببُ نزولِها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلابِ ، قالوا : يا رسول اللَّهِ ، ماذا يحلُّ لنا من هذه الأمَّةِ التي أمرت بقتلها ؟ فنزلت هذه الآية ، فلما نزلت أذِنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اقتناءِ الكِلابِ التي يُنْتَفَعُ بها ، وَنَهَى عن إمْسَاكِ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بها{[10864]} .
قوله تعالى : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } يعني : الذَّبَائح على اسم الله عزَّ وجلَّ .
وقيل : كلُّ ما تستطيبه العرب وتستلذُّه من غير أن يراد بتحريمه نصٌّ من كتاب أو سنة ، وكانت العرب في الجاهليةَ يحرمون أشياء [ من الطيبات ]{[10865]} كالبحيرَة والسَّائِبَةِ والوَصِيلَةِ ، والحامِ ، فهم كانوا يستطيبونها إلا أنَّهُم كانوا يحرِّمُونَ أكلها لِشُبُهَاتٍ ضعيفة ، فذكر تعالى أن كلَّ ما يُسْتَطَابُ فهو حلال ، وأكَّدَهُ بقوله تعالى :
{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] وبقوله : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [ الأعراف : 157 ] ، والطَّيب في لغةِ العرب هو المستلذُّ والحلالُ المأذُونُ ، يصير - أيضاً - طَيّباً تشبيهاً بما هو مستلذ ؛ لأنَّهُما اجتمعا في انتفاء الضَّرورة ، ولا يمكن أن يكونَ المرادُ بالطيِّبَاتِ هنا المحللات وإلا لصار تقديرُ الآية : قل [ أحِلَّ ]{[10866]} لكم المحللات ، وهذا ركيك ، فوجب حمل الطيبات على المستلذِّ المشتهى .
واعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة ؛ فإنَّ أهل البادية يستطيبون أكلَ جميع الحيوانات ، واعلمْ أنَّ قوله تعالى : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] يقتضي التَّمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض ، إلا أنَّهُ ورد تخصيصه بقوله : { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [ الأعراف : 157 ] ، ونص في هذه الآية على إبَاحَةِ المستلذات والطيبات ، وهذا أصل كبير في معرفة ما يحلُّ وما يحرمُ من الاطعمة .
قوله سبحانه : { وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } في " ما " هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها موصولة بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف ، أي [ ما ]{[10867]} علمتموه ، ومحلها الرفع عطفاً على مرفوع ما لم يُسَمَّ فاعله أي : وأحل لكم صَيْدُ أو أخذ ما علمتم ، فلا بد من حذف هذا المضاف .
والثاني : أنَّهَا شرطيّة فمحلها رفع بالابتداء ، والجوابُ قوله : " فَكُلُوا " .
قال أبو حيان : وهذا أظهرُ ؛ لأنَّه لا إضمار فيه .
والثالث : أنَّهَا موصولة - أيضاً - ومحلُّها الرفع بالابتداء ، والخبر قوله : " فَكُلُوا " وإنَّمَا دخلت الفاء{[10868]} تَشَبُّهاً للموصول باسْمِ الشَّرْطِ ، وقوله : من الجَوَارِحِ في محَلِّ نصب ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما{[10869]} : أنَّهُ الموصول وهو " ما " .
والثاني : أنَّهُ الهاء العائدة على الموصول ، وهو في المعنى كالأوَّل .
والجوارح : جمع جارحة ، والهاء للمبالغة سميت بذلك ؛ لأنَّهَا تجرح الصيد غالباً ، أو لأنَّهَا تكسب والجرح الكَسْب .
ومنه : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] والجارحة صفة{[10870]} جارية مجرى الأسماء ؛ لأنَّهَا لم تذكر موصوفها غالباً .
وقرأ عبد الله{[10871]} بن عبَّاس ، وابن الحنفية " عُلِّمْتُمْ " مبنياً للمفعول ، وتخريجها : أن يكون ثَمَّ مضافٌ محذوف ، أي : وما علّمكم الله من أمر الجوارح [ " مكلبين " : حال من فاعل " علمتم " ومعنى مكلبين : مؤدبين ومضرين ومعوِّدين ، أي : حال تكليبكم ]{[10872]} هذه الجوارح ، أي : إغرائكم إياها على الصَّيد .
قال أبو حيَّان{[10873]} : وفائدة هذه الحال ، وإن كانت مؤكدة لقوله : " عَلَّمتم " - فكان يستغنى عنها - أن يكون المعلم ماهراً بالتعليم ، حاذقاً فيه موصوفاً به اه .
وفي جعله هذه الحال مؤكدةً نظر ، بل هي مؤسسة .
واشتُقَّت هذه الحالُ من لفظ " الْكَلْب " هذا الحيوان المعروف ، وإن كانَتِ الجوارحُ يندرج فيها غيره حتى سِبَاعُ الطيور تغليباً له ؛ لأنَّ الصَّيْدَ أكثر ما يكون به عند العَرَبِ .
أو اشتقت من " الكَلَب " ، وهو الضَّراوة ، ويقال : هو كَلِبٌ بكذا أي : حريص ، وبه كَلَبٌ أي حِرْصٌ ، وكأنه - أيضاً - مشتقّ من الكَلْبِ هذا الحيوان لحرصه{[10874]} أو اشتقت من الكَلْبِ ، والكَلْبُ : يطلق على السَّبُع - أيضاً - .
ومنه الحديث : " اللهُمَّ سَلِّطْ عليهِ كَلْباً مِنْ كِلابِكَ " {[10875]} فأكله الأسَدُ .
قال أبو حيَّان : وهذا الاشتقاق لا يَصِحُّ ؛ لأنَّ كونَ الأسَدِ كَلْباً هو وصف فيه ، والتكليب من صفة المعلّم ، والجوارح هي سِباعٌ بنفسها ، وكلاب بنفسها لا بجعل المُعَلِمِّ ، ولا طَائِلَ تحت هذا الرَّدِّ .
وقرئ{[10876]} " مُكْلِبين " بتخفيف اللام ، وفَعَّل وأفعل قد يشتركانِ في معنى واحد ، إلا أنَّ " كَلَّب " بالتَّشْدِيدِ معناه : عَلَّمها وضَرَّاها ، وأكْلب معناه صار ذا كِلاَب{[10877]} .
على أن الزجاج قال : يقال : رجلُ مُكلِّب يعني بالتشديد ، ومُكْلِب يعني [ من ]{[10878]} أكلب وكلاّب يعني بتضعيف اللام أي : صاحب كِلاَبٍ .
وجاءت جملة الجواب هنا فعلية ، وجملة السؤال هنا اسمية ، وهي ماذا أحل ؟ فهي جواب لها من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ؛ إذ لم يتطابقا في الجِنْس .
والكلاَّب والمكلِّب هو الذي يعلم الكلاب الصيد .
فمكلِّب صَاحِب الكلابِ كمعلِّم : صاحبِ التَّعليم ، ومؤدِّب : صاحب التّأديب .
معنى الآيةِ وأحِلَّ لكم صَيْدُ ما علمتم من الجوارحِ . واختلفُوا في هذه الجَوَارحِ ، فقال الضَّحاكُ والسُّدِّيُّ : [ هي ]{[10879]} الكلاب{[10880]} دون غَيْرِهَا{[10881]} ، ولا يحلُّ ما صاده غير الكلب إلا أن يُدرِكَ ذكاته ، ولا عملَ على هذا ، بل عامَّةُ أهلِ العلمِ{[10882]} على أنَّ المرادَ من الجَوَارِحِ الكواسب{[10883]} من سباع البَهَائِمِ كالفهد ، والنمر ، والكلب ، ومن سباعِ الطَّيْر كالبازي والعُقابِ والصَّقْرِ ونحوها{[10884]} مما يقبل التعليم فيحلُّ صيد جميعها .
قوله سبحانه وتعالى : " تُعَلِّمُونَهُنَّ " فيه{[10885]} أربعةُ أوْجُهٍ :
أحدها : أنَّهَا جُملةٌ مستأنَفَةٌ .
الثاني : أنَّهَا جملة في محلِّ نصبٍ على أنَّها حال ثانية من فاعل " عَلَّمتُم " .
ومنع أبُو البقاء ذلك ؛ لأنَّه لا يجيز للعامل أنْ يعمل في حالين ، وتقدَّم الكلامُ في ذلك .
الثالث : أنَّها حال من الضَّميرِ المستكنِّ في " مكلِّبين " فتكونُ حالاً من حالٍ ، وتُسمَّى المتداخلة وعلى كلا التقديرين المتقدمين فهي حال مؤكِّدة ؛ لأن معناها مفهوم من " علمتم " ، ومِنْ " مُكَلِّبين " .
الرابعُ : أن تكون جملةً اعتراضيةً ، وهذا على جَعْلِ ما شرطيّة أو موصولة خبرها " فَكُلُوا " فيكونُ قد اعترض بين الشَّرْط وجوابه ، أو بين المبتدأ وخبره .
فإن قيل : هَلْ يجوز وجهٌ خَامِسٌ ، وهو أن تكون هذه الجملة حالاً من " الجَوَارِحِ " ، أو من الجوارح حال كوْنِهَا تُعلمُونَهُنَّ ؛ لأنَّ في الجملة ضمير ذِي الحلالِ ؟
فالجوابُ : أنَّ ذلك لا يجوزُ لأنه يؤدِّي إلى الفَصْلِ بين هذه الحال وبين صاحبها بأجنبِيٍّ ، وهو مُكَلِّبينَ الذي هو حال من فاعل " علمتم " .
وأنث [ الضمير في " تُعَلِّمُونَهُنَّ " ]{[10886]} مراعاة للفظِ الجوارحِ ؛ إذْ هو جمع جارحةٍ ، ومعنى " تُعَلِّمُونَهُنَّ " تؤدبونهن{[10887]} أدبَ أخذ الصَّيد ، { مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } أي من العلم الذي " عَلَّمَكُمُ اللَّهُ " .
وقال السدي : أي كما علمكم الله{[10888]} ، " من " بمعنى الكاف ، والمقصود منه المبالغة في التعظيم .
قوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن علكم } في " من " وجهان :
أظهرهما : أنها تبعيضية ؛ لأن الدم والريش لا يؤكل ، كقوله : { كلوا من ثمره إذا أثمر }[ لأنعام : 141 ] وهي صفة لموصوف محذوف هو مفعول الأكل ، أي : فكلوا شيئا مما أمسكن عليكم .
الثاني : أنها زائدة لا تزاد في الإثبات ، وإنما تزاد في النفي والاستفهام ، وهو قياس قول الأخفش .
قال القرطبي{[10889]} : وخطأه البصريون فقالو : " من " لا تزاد في الإثبات وإنما تزاد في النفي والاستفهام فعلى الأول تتعلق بمحذوف ، وعلى الثاني لا تعلق لها ، و " ما " موصولة أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، على كلا التقديرين ، أي : أمسكنه كما تقدم ، والنون في " أمسكن " للجوارح ، و " عليكم " متعلق ب " أمسكن " ، والاستعلاء هنا مجاز .
معنى الكلام أن الجارحة المعلمة إذا خرجت بإرسال صاحبها فأخذت الصيد وقتلته حل ، والتعليم هو أن يوجد فيه ثلاثة أشياء إذا أشليت استشلت ، وإذا زجرت انزجرت ، وإذا أخذت الصيد [ أمسكت ] ولم تأكل ، فإذا وجد منها ذلك مرارا وأقله ثلاث مرات كانت معلمة ، يحل قتلها إذا خرجت بإرسال صاحبها لما روي عن عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، فإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليه فأمسكته وقتلته فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيها قتل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم ، أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإذا وقع في الماء فلا تأكل ، فإنك لا تدري الماء قتله ، أو سهمك " .
واختلفوا فيما أخذت الصيد ، وأكلت منه شيئا ، فذهب أكثر العلماء إلى تحريمه .
وروي [ ذلك عن ]{[10890]} ابن عباس ، وهو قول عطاء وطاوس والشعبي ، وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي ، وأصح قولي الشافعي- رضي الله عنه- لقوله عليه الصلاة والسلام " فإن أكل فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه " {[10891]} ورخص بعضهم في أكله ، روي ذلك عن ابن عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص ، وقال مالك : لما روي عن [ أبي ]{[10892]} ثعلبة [ الخشني ]{[10893]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه " {[10894]} .
وروي أن أبا ثعلبة الخشني قال : قلت يا نبي الله : إنا بأرض قوم من أهل كتاب ، أفنأكل في آنيتهم ؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم فما يصلح لي ؟ قال : " أما ما ذكرت من آنية [ أهل الكتاب ]{[10895]} فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها ، وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل . وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل " {[10896]}
قوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } في هذه الهاء ثلاثة أوجه :
أحدها{[10897]} : أنها عائدة على المصدر المفهوم من الفعل{[10898]} وهو الأكْلُ ، كأنَّه قيل : واذكروا اسم الله على الأكل ، ويؤيده قوله عليه السلامُ : " سَمِّ الله وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " .
والثاني : أنَّه يُعود على " مَا عَلَّمتُم " ، أي : اذكروا اسم اللَّهِ على الجوارح عند إرسالها على الصيد ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ ، وذكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ " .
والثَّالِثُ : أنها تعود على " ما أمْسَكْن " أي : اذكروا اسْمَ الله على ما أدركتم [ ذكاته مما أمسكته ]{[10899]} عليكم الجوارح ، وحتى على هذا الإعراب وجوب اشتراط التسمية في هذه المواضع .
ثم قال : { وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } .
أي : واحذروا مُخالفَةَ أمر اللَّهِ في تحليل ما حلَّله وتحريم ما حرَّمه{[10900]} .
قال القُرطُبِيُّ{[10901]} : دلَّت الآية على جواز اتخاذ الكِلابِ واقتنائها للصَّيْدِ ، وثبتَ ذلك في صَحِيحِ السُّنَّةِ ، وزادت الحرث والماشِيَة ، وقدْ كَانَ [ في ]{[10902]} أوَّل الإسلامِ أمر بقتل الكلاب ، وقال : " من اقْتَنَى كَلْباً إلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ ، أو صَيْدٍ نَقُصَ مِنْ عملِه كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " {[10903]} .
قال القرطبيُّ{[10904]} : وهذا المنعُ إمَّا لترويعه المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه .
أو لمنع دخول الملائكة البيت ، أو لنجاسته على مذهب من يرى ذلِكَ ، وإما لاقتحام النهي على اتخاذ ما لا منفعة فيه .
قال القرطبي{[10905]} : وفي الآيَةِ دليلٌ على أنَّ العالِمَ له من الفضيلة ما ليس للجاهل ، لأنّ الكلبَ المُعَلَّمِ له فضيلة على سَائِر الكلاب ، فالإنْسَانُ إذا كان له عِلْمٌ أولى .