اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } الآية{[10856]} .

وهذا أيضاً مُتَّصِلٌ بما قَبْلَهُ من ذِكْرِ المطعُومَاتِ ، وقد تقدم الكلامُ على " مَاذَا " [ وما قيل فيها فليلتفت إليه ]{[10857]} .

وقوله : " لَهُمْ " بلفظ الغَيْبَةِ لتقدمِ ضَميرِ الغَيْبةِ في قوله تعالى : " يَسْألُونَكَ " .

ولو قيل في الكلام : ماذا أحِلَّ لنا ؟ لكان جائزاً على حكايةِ الجملةِ ، كقولك : أقْسَمَ زَيْدٌ ليَضرْبَنَّ ولأضربَنَّ ، بلفظ الغيبة والتكلمِ ، إلا أن ضمير المتكلّمِ يَقْتَضي حكايةَ ما قالوا : كما أن " لأضربن " يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها ، و " ماذا أحِلّ ؟ " هذا الاستفهامُ معلّق للسؤال ، وإن لم يكن السؤالُ من أفعالِ القُلُوبِ إلاَّ أنَّهُ كان سبب العلم ، والعلم يعلق ، فكذلك سببهُ ، وقد تقدم تحريره في " البقرة " .

وقال الزمخشري{[10858]} هنا : في السؤال معنى القول ، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم ، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم ، ولا حاجة إلى تضمين السؤال معنى القول{[10859]} ؛ لما تقدم من أن السؤال يعلق بالاستفهام كمسببه .

وقال ابن الخطيب{[10860]} : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحلَّ لهم ، ومعلوم أن ذلك باطل لا يقولونه ، وإنما يقولون ماذا أحِلَّ لنا ، بل الصحيح أنه ليس حكاية لكلامهم ، بل هو بيان كيفية الواقعة .

قال القُرْطُبي{[10861]} : " مَا " فِي مَوْضِعِ رفعٍ بالابتداء ، والخبرُ " أحِلَّ لَهُمْ " ، و " ذَا " زَائِدَةٌ وإنْ شِئْتَ كانت بمعنى " الذي " ، ويكون الخبر { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } .

فصل في سبب نزولها

قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ : نزلت هذه الآيةُ في عديّ بْنِ حَاتِم ، وَزَيْدِ بْنِ المُهَلْهِلِ [ الطائيين وهو ]{[10862]} زَيْدُ الخيل الذي سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيد الخيْرِ ، فقال : " يا رسول الله ، إنّا قَوْمٌ نَصِيدُ بالكِلاَبِ ، والبزاةِ ، فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا منها ؟ " . فنزلت هذه الآية{[10863]} .

وقيل : سببُ نزولِها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلابِ ، قالوا : يا رسول اللَّهِ ، ماذا يحلُّ لنا من هذه الأمَّةِ التي أمرت بقتلها ؟ فنزلت هذه الآية ، فلما نزلت أذِنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اقتناءِ الكِلابِ التي يُنْتَفَعُ بها ، وَنَهَى عن إمْسَاكِ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بها{[10864]} .

قوله تعالى : { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } يعني : الذَّبَائح على اسم الله عزَّ وجلَّ .

وقيل : كلُّ ما تستطيبه العرب وتستلذُّه من غير أن يراد بتحريمه نصٌّ من كتاب أو سنة ، وكانت العرب في الجاهليةَ يحرمون أشياء [ من الطيبات ]{[10865]} كالبحيرَة والسَّائِبَةِ والوَصِيلَةِ ، والحامِ ، فهم كانوا يستطيبونها إلا أنَّهُم كانوا يحرِّمُونَ أكلها لِشُبُهَاتٍ ضعيفة ، فذكر تعالى أن كلَّ ما يُسْتَطَابُ فهو حلال ، وأكَّدَهُ بقوله تعالى :

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [ الأعراف : 32 ] وبقوله : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [ الأعراف : 157 ] ، والطَّيب في لغةِ العرب هو المستلذُّ والحلالُ المأذُونُ ، يصير - أيضاً - طَيّباً تشبيهاً بما هو مستلذ ؛ لأنَّهُما اجتمعا في انتفاء الضَّرورة ، ولا يمكن أن يكونَ المرادُ بالطيِّبَاتِ هنا المحللات وإلا لصار تقديرُ الآية : قل [ أحِلَّ ]{[10866]} لكم المحللات ، وهذا ركيك ، فوجب حمل الطيبات على المستلذِّ المشتهى .

واعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة ؛ فإنَّ أهل البادية يستطيبون أكلَ جميع الحيوانات ، واعلمْ أنَّ قوله تعالى : { خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] يقتضي التَّمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض ، إلا أنَّهُ ورد تخصيصه بقوله : { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [ الأعراف : 157 ] ، ونص في هذه الآية على إبَاحَةِ المستلذات والطيبات ، وهذا أصل كبير في معرفة ما يحلُّ وما يحرمُ من الاطعمة .

قوله سبحانه : { وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } في " ما " هذه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها موصولة بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف ، أي [ ما ]{[10867]} علمتموه ، ومحلها الرفع عطفاً على مرفوع ما لم يُسَمَّ فاعله أي : وأحل لكم صَيْدُ أو أخذ ما علمتم ، فلا بد من حذف هذا المضاف .

والثاني : أنَّهَا شرطيّة فمحلها رفع بالابتداء ، والجوابُ قوله : " فَكُلُوا " .

قال أبو حيان : وهذا أظهرُ ؛ لأنَّه لا إضمار فيه .

والثالث : أنَّهَا موصولة - أيضاً - ومحلُّها الرفع بالابتداء ، والخبر قوله : " فَكُلُوا " وإنَّمَا دخلت الفاء{[10868]} تَشَبُّهاً للموصول باسْمِ الشَّرْطِ ، وقوله : من الجَوَارِحِ في محَلِّ نصب ، وفي صاحبها وجهان :

أحدهما{[10869]} : أنَّهُ الموصول وهو " ما " .

والثاني : أنَّهُ الهاء العائدة على الموصول ، وهو في المعنى كالأوَّل .

والجوارح : جمع جارحة ، والهاء للمبالغة سميت بذلك ؛ لأنَّهَا تجرح الصيد غالباً ، أو لأنَّهَا تكسب والجرح الكَسْب .

ومنه : { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] والجارحة صفة{[10870]} جارية مجرى الأسماء ؛ لأنَّهَا لم تذكر موصوفها غالباً .

وقرأ عبد الله{[10871]} بن عبَّاس ، وابن الحنفية " عُلِّمْتُمْ " مبنياً للمفعول ، وتخريجها : أن يكون ثَمَّ مضافٌ محذوف ، أي : وما علّمكم الله من أمر الجوارح [ " مكلبين " : حال من فاعل " علمتم " ومعنى مكلبين : مؤدبين ومضرين ومعوِّدين ، أي : حال تكليبكم ]{[10872]} هذه الجوارح ، أي : إغرائكم إياها على الصَّيد .

قال أبو حيَّان{[10873]} : وفائدة هذه الحال ، وإن كانت مؤكدة لقوله : " عَلَّمتم " - فكان يستغنى عنها - أن يكون المعلم ماهراً بالتعليم ، حاذقاً فيه موصوفاً به اه .

وفي جعله هذه الحال مؤكدةً نظر ، بل هي مؤسسة .

واشتُقَّت هذه الحالُ من لفظ " الْكَلْب " هذا الحيوان المعروف ، وإن كانَتِ الجوارحُ يندرج فيها غيره حتى سِبَاعُ الطيور تغليباً له ؛ لأنَّ الصَّيْدَ أكثر ما يكون به عند العَرَبِ .

أو اشتقت من " الكَلَب " ، وهو الضَّراوة ، ويقال : هو كَلِبٌ بكذا أي : حريص ، وبه كَلَبٌ أي حِرْصٌ ، وكأنه - أيضاً - مشتقّ من الكَلْبِ هذا الحيوان لحرصه{[10874]} أو اشتقت من الكَلْبِ ، والكَلْبُ : يطلق على السَّبُع - أيضاً - .

ومنه الحديث : " اللهُمَّ سَلِّطْ عليهِ كَلْباً مِنْ كِلابِكَ " {[10875]} فأكله الأسَدُ .

قال أبو حيَّان : وهذا الاشتقاق لا يَصِحُّ ؛ لأنَّ كونَ الأسَدِ كَلْباً هو وصف فيه ، والتكليب من صفة المعلّم ، والجوارح هي سِباعٌ بنفسها ، وكلاب بنفسها لا بجعل المُعَلِمِّ ، ولا طَائِلَ تحت هذا الرَّدِّ .

وقرئ{[10876]} " مُكْلِبين " بتخفيف اللام ، وفَعَّل وأفعل قد يشتركانِ في معنى واحد ، إلا أنَّ " كَلَّب " بالتَّشْدِيدِ معناه : عَلَّمها وضَرَّاها ، وأكْلب معناه صار ذا كِلاَب{[10877]} .

على أن الزجاج قال : يقال : رجلُ مُكلِّب يعني بالتشديد ، ومُكْلِب يعني [ من ]{[10878]} أكلب وكلاّب يعني بتضعيف اللام أي : صاحب كِلاَبٍ .

وجاءت جملة الجواب هنا فعلية ، وجملة السؤال هنا اسمية ، وهي ماذا أحل ؟ فهي جواب لها من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ؛ إذ لم يتطابقا في الجِنْس .

والكلاَّب والمكلِّب هو الذي يعلم الكلاب الصيد .

فمكلِّب صَاحِب الكلابِ كمعلِّم : صاحبِ التَّعليم ، ومؤدِّب : صاحب التّأديب .

فصل

معنى الآيةِ وأحِلَّ لكم صَيْدُ ما علمتم من الجوارحِ . واختلفُوا في هذه الجَوَارحِ ، فقال الضَّحاكُ والسُّدِّيُّ : [ هي ]{[10879]} الكلاب{[10880]} دون غَيْرِهَا{[10881]} ، ولا يحلُّ ما صاده غير الكلب إلا أن يُدرِكَ ذكاته ، ولا عملَ على هذا ، بل عامَّةُ أهلِ العلمِ{[10882]} على أنَّ المرادَ من الجَوَارِحِ الكواسب{[10883]} من سباع البَهَائِمِ كالفهد ، والنمر ، والكلب ، ومن سباعِ الطَّيْر كالبازي والعُقابِ والصَّقْرِ ونحوها{[10884]} مما يقبل التعليم فيحلُّ صيد جميعها .

قوله سبحانه وتعالى : " تُعَلِّمُونَهُنَّ " فيه{[10885]} أربعةُ أوْجُهٍ :

أحدها : أنَّهَا جُملةٌ مستأنَفَةٌ .

الثاني : أنَّهَا جملة في محلِّ نصبٍ على أنَّها حال ثانية من فاعل " عَلَّمتُم " .

ومنع أبُو البقاء ذلك ؛ لأنَّه لا يجيز للعامل أنْ يعمل في حالين ، وتقدَّم الكلامُ في ذلك .

الثالث : أنَّها حال من الضَّميرِ المستكنِّ في " مكلِّبين " فتكونُ حالاً من حالٍ ، وتُسمَّى المتداخلة وعلى كلا التقديرين المتقدمين فهي حال مؤكِّدة ؛ لأن معناها مفهوم من " علمتم " ، ومِنْ " مُكَلِّبين " .

الرابعُ : أن تكون جملةً اعتراضيةً ، وهذا على جَعْلِ ما شرطيّة أو موصولة خبرها " فَكُلُوا " فيكونُ قد اعترض بين الشَّرْط وجوابه ، أو بين المبتدأ وخبره .

فإن قيل : هَلْ يجوز وجهٌ خَامِسٌ ، وهو أن تكون هذه الجملة حالاً من " الجَوَارِحِ " ، أو من الجوارح حال كوْنِهَا تُعلمُونَهُنَّ ؛ لأنَّ في الجملة ضمير ذِي الحلالِ ؟

فالجوابُ : أنَّ ذلك لا يجوزُ لأنه يؤدِّي إلى الفَصْلِ بين هذه الحال وبين صاحبها بأجنبِيٍّ ، وهو مُكَلِّبينَ الذي هو حال من فاعل " علمتم " .

وأنث [ الضمير في " تُعَلِّمُونَهُنَّ " ]{[10886]} مراعاة للفظِ الجوارحِ ؛ إذْ هو جمع جارحةٍ ، ومعنى " تُعَلِّمُونَهُنَّ " تؤدبونهن{[10887]} أدبَ أخذ الصَّيد ، { مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } أي من العلم الذي " عَلَّمَكُمُ اللَّهُ " .

وقال السدي : أي كما علمكم الله{[10888]} ، " من " بمعنى الكاف ، والمقصود منه المبالغة في التعظيم .

قوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن علكم } في " من " وجهان :

أظهرهما : أنها تبعيضية ؛ لأن الدم والريش لا يؤكل ، كقوله : { كلوا من ثمره إذا أثمر }[ لأنعام : 141 ] وهي صفة لموصوف محذوف هو مفعول الأكل ، أي : فكلوا شيئا مما أمسكن عليكم .

الثاني : أنها زائدة لا تزاد في الإثبات ، وإنما تزاد في النفي والاستفهام ، وهو قياس قول الأخفش .

قال القرطبي{[10889]} : وخطأه البصريون فقالو : " من " لا تزاد في الإثبات وإنما تزاد في النفي والاستفهام فعلى الأول تتعلق بمحذوف ، وعلى الثاني لا تعلق لها ، و " ما " موصولة أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، على كلا التقديرين ، أي : أمسكنه كما تقدم ، والنون في " أمسكن " للجوارح ، و " عليكم " متعلق ب " أمسكن " ، والاستعلاء هنا مجاز .

فصل

معنى الكلام أن الجارحة المعلمة إذا خرجت بإرسال صاحبها فأخذت الصيد وقتلته حل ، والتعليم هو أن يوجد فيه ثلاثة أشياء إذا أشليت استشلت ، وإذا زجرت انزجرت ، وإذا أخذت الصيد [ أمسكت ] ولم تأكل ، فإذا وجد منها ذلك مرارا وأقله ثلاث مرات كانت معلمة ، يحل قتلها إذا خرجت بإرسال صاحبها لما روي عن عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، فإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليه فأمسكته وقتلته فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيها قتل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم ، أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإذا وقع في الماء فلا تأكل ، فإنك لا تدري الماء قتله ، أو سهمك " .

واختلفوا فيما أخذت الصيد ، وأكلت منه شيئا ، فذهب أكثر العلماء إلى تحريمه .

وروي [ ذلك عن ]{[10890]} ابن عباس ، وهو قول عطاء وطاوس والشعبي ، وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي ، وأصح قولي الشافعي- رضي الله عنه- لقوله عليه الصلاة والسلام " فإن أكل فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه " {[10891]} ورخص بعضهم في أكله ، روي ذلك عن ابن عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص ، وقال مالك : لما روي عن [ أبي ]{[10892]} ثعلبة [ الخشني ]{[10893]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه " {[10894]} .

وروي أن أبا ثعلبة الخشني قال : قلت يا نبي الله : إنا بأرض قوم من أهل كتاب ، أفنأكل في آنيتهم ؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم فما يصلح لي ؟ قال : " أما ما ذكرت من آنية [ أهل الكتاب ]{[10895]} فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها ، وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل . وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل " {[10896]}

قوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } في هذه الهاء ثلاثة أوجه :

أحدها{[10897]} : أنها عائدة على المصدر المفهوم من الفعل{[10898]} وهو الأكْلُ ، كأنَّه قيل : واذكروا اسم الله على الأكل ، ويؤيده قوله عليه السلامُ : " سَمِّ الله وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " .

والثاني : أنَّه يُعود على " مَا عَلَّمتُم " ، أي : اذكروا اسم اللَّهِ على الجوارح عند إرسالها على الصيد ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ ، وذكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ " .

والثَّالِثُ : أنها تعود على " ما أمْسَكْن " أي : اذكروا اسْمَ الله على ما أدركتم [ ذكاته مما أمسكته ]{[10899]} عليكم الجوارح ، وحتى على هذا الإعراب وجوب اشتراط التسمية في هذه المواضع .

ثم قال : { وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } .

أي : واحذروا مُخالفَةَ أمر اللَّهِ في تحليل ما حلَّله وتحريم ما حرَّمه{[10900]} .

فصل

قال القُرطُبِيُّ{[10901]} : دلَّت الآية على جواز اتخاذ الكِلابِ واقتنائها للصَّيْدِ ، وثبتَ ذلك في صَحِيحِ السُّنَّةِ ، وزادت الحرث والماشِيَة ، وقدْ كَانَ [ في ]{[10902]} أوَّل الإسلامِ أمر بقتل الكلاب ، وقال : " من اقْتَنَى كَلْباً إلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ ، أو صَيْدٍ نَقُصَ مِنْ عملِه كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " {[10903]} .

قال القرطبيُّ{[10904]} : وهذا المنعُ إمَّا لترويعه المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه .

أو لمنع دخول الملائكة البيت ، أو لنجاسته على مذهب من يرى ذلِكَ ، وإما لاقتحام النهي على اتخاذ ما لا منفعة فيه .

فصل

قال القرطبي{[10905]} : وفي الآيَةِ دليلٌ على أنَّ العالِمَ له من الفضيلة ما ليس للجاهل ، لأنّ الكلبَ المُعَلَّمِ له فضيلة على سَائِر الكلاب ، فالإنْسَانُ إذا كان له عِلْمٌ أولى .


[10856]:في ب: قل أحل الطيبات وما علمتم من الجوارح.
[10857]:سقط في أ.
[10858]:ينظر الكشاف 1/606.
[10859]:سقط في أ.
[10860]:ينظر: تفسير: الرازي 11/112.
[10861]:ينظر: تفسير القرطبي 6/44.
[10862]:في أ: الطالبين فهو.
[10863]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور"(2/459) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
[10864]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(9/546) عن محمد بن كعب القرظي وأخرجه بمعناه عن عكرمة (9/546).
[10865]:سقط في أ.
[10866]:سقط في أ.
[10867]:سقط في أ.
[10868]:في أ: ألفا.
[10869]:في ب: أحدها.
[10870]:في أ: صفه.
[10871]:ينظر: البحر المحيط 3/445، والدر المصون 2/489.
[10872]:سقط في أ.
[10873]:ينظر: البحر المحيط 3/444.
[10874]:في أ: لمرضه.
[10875]:أخرجه الحاكم (2/539) من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلبك. فخرج في قافلة يريد "الشام" فنزلوا منزلا فقال: إني أخاف دعوة محمد فقالوا له كلا فحطوا متاعه حوله وقعدوا حوله يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم خرجاه.
[10876]:وقرأ بها الحسن وأبو زيد كما في المحرر الوجيز 2/157، وينظر: البحر المحيط 3/445، والدر المصون 2/489.
[10877]:في أ: كلب.
[10878]:سقط في أ.
[10879]:سقط في ب.
[10880]:في أ: الكلب.
[10881]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(9/549) عن الضحاك والسدي.
[10882]:ينظر: تفسير البغوي 2/12.
[10883]:في أ: المكاسب
[10884]:في ب: ونحوها.
[10885]:في أ: فيها.
[10886]:في أ: العزيز "يعلمونهن".
[10887]:في ب: تؤدبهم.
[10888]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(9/522) عن السدي وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(2/460) وعزاه للطبري عن الحسن.
[10889]:ينظر: تفسير القرطبي 6/49.
[10890]:سقط في أ.
[10891]:متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 1/279، كتاب الوضوء؛ باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان الحديث(175) وفي 9/609، كتاب الذبائح والصيد باب إذا أكل الكلب، الحديث(5484) وفي 9/610 باب الصيد إذا غاب عنه يومين، الحديث(5484) وفي (9/612)، باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر الحديث(5486) وأخرجه مسلم في الصحيح 3/1531، كتاب الصيد والذبائح: باب الصيد بالكلاب المعلمة الحديث(6/1929).
[10892]:سقط في ب.
[10893]:سقط في ب.
[10894]:أخرجه أبو داود(3/271-272) كتاب الصيد باب في الصيد(2852) والبيهقي(9/237-238) من حديث أبي ثعلبة الخشني وذكره لحافظ ابن حجر في "التخليص"(4/136) وقال: أعله البيهقي.
[10895]:سقط في ب.
[10896]:متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح، الحديث(5478)، ومسلم في الصحيح 3/1532، كتاب الصيد والذبائح باب الصيد بالكلاب المعلمة الحديث(8/193). وينظر: تفسير البغوي 2/12، الدر المصون 3/204.
[10897]:في أ: الأول.
[10898]:في أ: الفصل.
[10899]:في أ: وكونه مما أمسك.
[10900]:ينظر: تفسير الرازي 11/115.
[10901]:ينظر: القرطبي 6/50.
[10902]:سقط في أ.
[10903]:متفق عليه، أخرجه البخاري في الصحيح 9/608، كتاب الذبائح والصيد، باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية الحديث(5480) ومسلم في الصحيح 3/1201 كتاب المساقاة (22) باب الأمر بقتل الكلاب الحديث (50/1574) وقوله: (ضاري) أي كلبا معودا بالصيد، يقال ضري الكلب وأضراه صاحبه: أي عوده وأغراه به ويجمع على ضوار والقيراط 2125 غراما ذهبيا.
[10904]:ينظر: تفسير القرطبي 6/50.
[10905]:ينظر: المصدر السابق.