بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } نزلت الآية في شأن «عديّ بن حاتم الطائي » قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قوم نتصيَّد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازِيٍّ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ ، فَكُلْ مَا أمْسَكَ عَلَيْكَ " فقلت : وإن قتله ؟ قال : " إنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً فَكُلْ ، فَإنَّمَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ . وَإنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئاً فَلاَ تَأْكُلْ ، فَإنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ " قال : قلت فإذا خالط كلابنا كلابٌ أخرى حين ترسلها ؟ قال : " ا تَأْكُلْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ كَلْبَكَ هُوَ الَّذِي أَمْسَكَ عَلَيْكَ " ونزلت هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } يعني ماذا رخص لهم من الصيد ويقال لما أنزل قوله تعالى { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ } قالوا : إن الله تعالى حرم هذه الأشياء ، فأي شيء لنا حلال يا رسول الله ؟ { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات } يعني رخص لكم الحلالات من الذبائح { وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح } يعني وأحلّ لكم صيد ما علمتم من الجوارح من الطير والكلاب الكواسب . ويقال : الجوارح الجارحات . ثم قال : { مُكَلّبِينَ } بكسر اللام ، وقرأ بعضهم بالنصب ، فمن قرأ بالكسر يعني به أصحاب الكلاب المعلِّمين للكلاب ، ومن قرأ بالنصب أراد به الكلاب يعني الكلاب المعلَّمة . { مُكَلّبِينَ } يعني معلمين . ثم قال : { تُعَلّمُونَهُنَّ } يعني تؤدبونهن في طلب الصيد { مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله } يقول : كما أدبكم الله تعالى . وروي عن مجاهد أنه سئل عن الصقر والبازي والفهد ، قال : هذه كلها جوارح ولا بأس بصيده إذا كان معلماً . ثم قال : { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يعني : حبسن عليكم { واذكروا اسم الله عَلَيْهِ } إذا أرسلتم الكلاب على الصيد . وفي هذه الآية دليل أن الكلب إذا كان أكل لا يؤكل لأنه أمسك لنفسه ، وفيها دليل أنه لا يجوز إلا بالتسمية لأنه قد أباح على شرط التسمية ، وعلى شرط أن يمسك لصاحبه ، وفيها دليل أيضاً أن الكلب إذا كان غير معلَّم لا يجوز أكلُ صيده ، وفيها دليل أيضاً أن العالِم له من الفضيلة ما ليس للجاهل ، لأن الكلب إذا عُلِّم يكون له فضيلة على سائر الكلاب ، وأن الإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس وهذا كما روي عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال : لكل شيء قيمة وقيمة المرء ما يُحْسِن .

ثم خَوّفهم فقال : { واتقوا الله } أي اخشوا الله ولا تأكلوا الميتة ، ولا تأكلوا ما لم يذكر اسم الله عليه { إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب } يعني سريع المجازاة .