فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (4)

{ الجوارح } الكلاب والطير الجارح . { مكلبين } معلمين لها الصيد .

{ أمسكن عليكم } حبسن لكم .

{ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين } يسألك المؤمنون أيها النبي يقولون : أي شيء أحل الله تعالى لهم من المطاعم ؟ ( أو الذي أحل لهم من المطاعم إجمالا ، ومن الصيد ومن طعام أهل الكتاب ومن نسائهم ) ( {[1683]} ) ؟ ؛ فبلغهم أني أحللت لهم ما ليس بخبيث منها ؛ - وهو ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو قياس مجتهد ، أو : أحل لكم كل ما يستلذ ويشتهى عند أهل المروءة والأخلاق الجميلة-( {[1684]} ) ؛ { وما علمتم من الجوارح مكلبين } فكأن المعنى : وأحل لكم أكل صيد ما علمتموه من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد ، والبازي والصقر ؛ وجرح في اللغة تأتي بمعنى كسب ، ومنه قول مولانا تقدست أسماؤه : ( . . ويعلم ما جرحتم بالنهار . . ) ( {[1685]} ) أي ما كسبتم في النهار ؛ ( وانتصاب { مكلبين } على الحال من { علمتم } ، وفائدة هذه الحال مع الاستغناء عنها ب{ علمتم } أن معلم الجوارح ينبغي أن يكون ماهرا في علمه ، مدربا فيه ، موصوفا بالتكليب ، . . . والجمهور على أن الجوارح يدخل فيه ما يمكن الاصطياد به من السباع ؛ قالوا : المكلب : مؤدب الجوارح ورائضها لأنها تصطاد لصاحبها ، وإنما اشتق من الكلب لكثرة هذا المعنى في جنسه ، أو لأن كل سبع يسمى كلبا ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك " فأكله الأسد ، أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة ، . . وهب أن المذكور في الآية إباحة الصيد بالكلب ، لكن تخصيصه بالذكر لا ينفي حل غيره لجواز الاصطياد بالرمي وبالشبكة ونحوها مع سكوت الآية عنها ؛ { تعلمونهن } حال ثانية ، أو استئناف { مما علمكم الله } من علم التكليب ، لأن بعضه إلهام من الله ) ( {[1686]} ) ؛ { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } روى البخاري ومسلم عن أبي ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله " ( {[1687]} ) ؛ { واتقوا الله إن الله سريع الحساب }-يعني جل ثناؤه : واتقوا الله أيها الناس فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه ، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة ، أو مما تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها ، أو تَطعََموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحد الله من خلقه ، أو ذبحوه ، فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه ؛ ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره ، فقال : اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمته عليه منكم ، وشكر الشاكر منكم ربه على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى ، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم ، فيحيط به ، لا يخفى عليه منه شيء ، فيجازي المطيع منك بطاعته ، والعاصي بمعصيته ، وقد بين لكم جزاء الفريقين . .


[1683]:ما بين العلامتين ( ) من فتح القدير؛ للشوكاني.
[1684]:مما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن، ثم تابع يقول: واعلم أن الأصل في الأعيان الحل، لأنها خلقت لمنافع العباد،( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا..) واستثنى من ذلك أصول: الأول- تنصيص الكتاب على تحريمه، كالميتة والدم وغيرهما،؛ الثاني:- تنصيص السنة، كما روى عن جمع من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية؛ والبغال كالحمير، ولا تحرم الخيل عند الشافعي، لما روى عن جابر أنه قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل؛ الثالث- ما هو في معنى المنصوص، كالنبيذ فإنه كالخمر، فيشاركها في التحريم؛ الرابع-كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من (الطير)،..فلا يحل بموجب هذا الأصل الكلب والأسد والذئب والنمر...لأنها تعدوا بأنيابها، ولا يحل من الطيور البازي والشاهين والصقر.. وجميع جوارح الطير؛ الخامس- ما أمر بقتله من الحيوانات فهو حرام، لأن الأمر بقتله إسقاط لحرمته، ومنع من اقتنائه، ولو كان مأكولا لجاز اقتناؤه للتسمين وإعداده للأكل وقت الحاجة، ومنه الفواسق الخمس، وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال:" خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والفأرة والغراب الأبقع والكلب والحدأة؛ والسادس- ما ورده النهي عن قتله فهو حرام. لأنه لو كان مأكولا لجاز ذبحه ليؤكل، كما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الخطاطيف وكذا الصرد والنملة والمحلة والهدهد والخفاش؛ السابع- الاستطابة والاستخباث، لقوله تعالى:{..قل أحل لكم الطيبات}. قال العلماء: فيبعد الرجوع إلى طبقات الناس، وتنزيل كل قوم على ما يستطيبون ويستخبثون، لأن ذلك يوجب اختلاف الأحكام في الحل والحرمة، وذلك يخالف موضوع الشرع، فالعرب أولى أمة بالاعتبار، لأن الدين عربي، وهم المخاطبون أولا، وليس لهم ترفه وتنعم يورث تضييق المطاعم على الناس، ولكن المعتبر استطابه سكان القرى والبلاد دون البوادي الذين لا تميز لهم، وأيضا يعتبر أصحاب اليسار والترفه دون أصحاب الضرورات والحاجات، وأيضا المعتبر حال الخصب والرفاهية، دون حال الجدب والشدة.
[1685]:من سورة الأنعام. من الآية 60.
[1686]:ما بين العلامتين ( ) مما أورد النيسابوري.
[1687]:أصحاب كتب السنة أوردوا أكثر من خمسين رواية في أحاديث أحكام صيد البر، أكثرها مما رواه البخاري ومسلم، وبقيتها من رواية أبي داود والترمذي والنسائي؛ يراجع من شاء {جامع الأصول في أحاديث الرسول} حرف الصاد؛ تحت أرقام:5000،4999،4998 إلى5006 الجزء السابع صفحة 24، وما بعدها.