المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

81- الحق أنكم تفترون الكذب على الله ، فحكم الله العام نافذ في خلقه جميعاً لا فرق بين يهودي وغير يهودي ، لأن من ارتكب سيئة وأحاطت به آثامه حتى سدت عليه منافذ الخلاص ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

75

هنا يأتيهم الجواب القاطع والقول الفصل في هذه الدعوى ، في صورة كلية من كليات التصور الإسلامي ، تنبع من فكرته الكلية عن الكون والحياة والإنسان : إن الجزاء من جنس العمل ، ووفق هذا العمل .

( بلى ! من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) . .

ولا بد أن نقف قليلا أمام ذلك التصوير الفني المعجز لحالة معنوية خاصة ، وأمام هذا الحكم الإلهي الجازم نكشف عن شيء من أسبابه وأسراره :

( بلى ! من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته . . ) . .

الخطيئة كسب ؟ إن المعنى الذهني المقصود هو اجتراح الخطيئة . ولكن التعبير يوميء إلى حالة نفسية معروفة . . إن الذي يجترح الخطيئة إنما يجترحها عادة وهو يلتذها ويستسيغها ؛ ويحسبها كسبا له - على معنى من المعاني - ولو أنها كانت كريهة في حسه ما اجترحها ، ولو كان يحس أنها خسارة ما أقدم عليها متحمسا ، وما تركها تملأ عليه نفسه ، وتحيط بعالمه ؛ لأنه خليق لو كرهها وأحس ما فيها من خسارة أن يهرب من ظلها - حتى لو اندفع لارتكابها - وأن يستغفر منها ، ويلوذ إلى كنف غير كنفها . وفي هذه الحالة لا تحيط به ، ولا تملأ عليه عالمه ، ولا تغلق عليه منافذ التوبة والتكفير . . وفي التعبير : ( وأحاطت به خطيئته ) . . تجسيم لهذا المعنى . وهذه خاصية من خواص التعبير القرآني ، وسمة واضحة من سماته ؛ تجعل له وقعا في الحس يختلف عن وقع المعاني الذهنية المجردة ، والتعبيرات الذهنية التي لا ظل لها ولا حركة . وأي تعبير ذهني عن اللجاجة في الخطيئة ما كان ليشع مثل هذا الظل الذي يصور المجترح الآثم حبيس خطيئته : يعيش في إطارها ، ويتنفس في جوها ، ويحيا معها ولها .

عندئذ . . عندما تغلق منافذ التوبة على النفس في سجن الخطيئة . . عندئذ يحق ذلك الجزاء العادل الحاسم :

( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

يقول تعالى : ليس الأمر كما تمنيتم ، ولا كما تشتهون ، بل الأمر : أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته ، وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنة ، بل جميع عمله سيئات ، فهذا من أهل النار ، والذين آمنوا بالله ورسوله{[2086]} وعملوا الصالحات - من العمل الموافق للشريعة - فهم{[2087]} من أهل الجنة . وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [ النساء : 123 ، 124 ] .

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد - أو عكرمة - عن ابن عباس : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } أي : عمل مثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، حتى يحيط به كفره{[2088]} فما له من حسنة .

وفي رواية عن ابن عباس ، قال : الشرك .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي وائل ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه{[2089]} .

وقال الحسن - أيضًا - والسدي : السيئة : الكبيرة من الكبائر .

وقال ابن جريج ، عن مجاهد : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } قال : بقلبه .

وقال أبو هريرة ، وأبو وائل ، وعطاء ، والحسن : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } قالوا : أحاط به شركه .

وقال الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خُثَيم : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } قال : الذي يموت على خطايا{[2090]} من قبل أن يتوب . وعن السدي ، وأبي رزين ، نحوه .

وقال أبو العالية ، ومجاهد ، والحسن ، في رواية عنهما ، وقتادة ، والربيع بن أنس : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } الكبيرة الموجبة .

وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى ، والله أعلم . ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال :

حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمرو بن قتادة{[2091]} عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إيَّاكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهُنَّ مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادًا{[2092]} ، وأججوا نارًا ، فأنضجوا ما قذفوا فيها{[2093]} .


[2086]:في أ: "ورسله".
[2087]:في جـ، ط، ب، أ، و: "فهو".
[2088]:في جـ: "فمتى يحيط عمله".
[2089]:في جـ: "بنحوه".
[2090]:في أ، و: "على خطاياه".
[2091]:في أ: "عن عمر بن صادق".
[2092]:في جـ: "جمعوا أعوادًا".
[2093]:المسند (1/402).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

{ بلى } إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا على وجه أعم ، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم ، وتختص بجواب النفي { من كسب سيئة } قبيحة ، والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات ، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنه من الخطأ ، والكسب : استجلاب النفع . وتعليقه بالسيئة على طريق قوله : { فبشرهم بعذاب أليم } .

{ وأحاطت به خطيئته } أي استولت عليه ، وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه ، وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأن غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه فلم تحط الخطيئة به ، ولذلك فسرها السلف بالكفر . وتحقيق ذلك : أن من أذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه ، حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي ، مستحسنا إياها معتقدا أن لا لذة سواها ، مبغضا لمن يمنعه عنها مكذبا لمن ينصحه فيها ، كما قال الله تعالى : { ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوء أن كذبوا بآيات الله } وقرأ نافع { خطيئاته } . وقرئ " خطيته " و " خطياته " على القلب والإدغام فيهما . { فأولئك أصحاب النار } ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازمون أسبابها في الدنيا { هم فيها خالدون } دائمون ، أو لابثون لبثا طويلا . والآية كما ترى لا حجة فيها على خلود صاحب الكبيرة وكذا التي قبلها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

وقوله : { بلى } إبطال لقولهم : { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } ، وكلمات الجواب تدخل على الكلام السابق لا على ما بعدها فمعنى بلى بل أنتم تمسكم النار مدة طويلة .

وقوله : { من كسب سيئة } سند لما تضمنته { بلى } من إبطال قولهم ، أي ما أنتم إلا ممن كسب سيئة إلخ ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فأولئك أصحاب النار فأنتم منهم لا محالة على حد قول لبيد :

تمنَّى ابنتاي أن يعيش أبوهما . . . وهل أَنا إلا من ربيعةَ أو مُضَرْ

أي فلا أخلد كما لم يخلد بنو ربيعة ومضر ، فمَنْ في قوله : { من كسب سيئة } شرطية بدليل دخول الفاء في جوابها وهي في الشرط من صيغ العموم فلذلك كانت مؤذنة بجملة محذوفة دل عليها تعقيب { بلى } بهذا العموم لأنه لو لم يرد به أن المخاطبين من زمر هذا العموم لكان ذِكر العموم بعدها كلاماً متناثراً ففي الكلام إيجاز الحذف ليكون المذكور كالقضية الكبرى لبرهان قوله : { بلى } .

والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليها بقوله : { وأحاطبت به خطيئاته } .

وقوله : { وأحاطت به خطيئاته } الخطيئة اسم لما يقترفه الإنسان من الجرائم وهي فعيلة بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء ، والإحاطة مستعارة لعدم الخلو عن الشيء لأن ما يحيط بالمرء لا يترك له منفذاً للإقبال على غير ذلك قال تعالى : { وظنوا أنهم أحيط بهم } [ يونس : 22 ] وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لأنها تجريء على جميع الخطايا ولا يعتبر مع الكفر عمل صالح كما دل عليه قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } [ البلد : 17 ] . فلذلك لم تكن في هذه الآية حجة للزاعمين خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ لا يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو لا يخلو من عمل صالح وحسبك من ذلك سلامة اعتقاده من الكفر وسلامة لسانه من النطق بكلمة الكفر الخبيثة .

والقصر المستفاد من التعريف في قوله : { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } قصر إضافي لقلب اعتقادهم .