المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

13- فبأي نعمة من نعم ربكما تجحدان أيها الثقلان ؟ ! .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

عند هذا المقطع يهتف بالجن والإنسان ، في مواجهة الكون وأهل الكون : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

وهو سؤال للتسجيل والإشهاد . فما يملك إنس ولا جان أن يكذب بآلاء الرحمن في مثل هذا المقام .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

1

المفردات :

آلاء : جمع إلى ، وهي النعمة ، مثل : معيّ وأمعاء .

التفسير :

13-{ فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

أي : بأي نعمة من هذه النّعم المذكورة سابقا ، يا معشر الجن والإنس تكذبان ؟

لقد ذكر الله في بداية السورة عددا من النعم ، منها ما يأتي : تعليم القرآن ، وخلق الإنسان ، وتعليمه البيان ، وتنسيق الشمس والقمر بحسبان ، ورفع السماء ووضع الميزان ، ووضع الأرض للأنام ، وما فيها من فاكهة ونخل وحَبٍّ وريحان ، عند هذا المقطع يهتف بالجن والإنسان في مواجهة الكون وأهل الكون : فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .

أخرج ابن جرير بسند صحيح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا ، فقال : " ما لي أسمع الجنّ أحسن جوابا لربها منكم ؟ ما أتيت على قوله تعالى ؟ فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، إلا قالوا : لا بشيء من نعمك ربَّنا نكذّب ، فلك الحمد " .

قال المفسرون : يستحب أن نقول : لا بشيء من آلائك ربنا نكذّب فلك الحمد ، عند سماع هذه الآية : { فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

وقد تكررت : { فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة بعد كل خصلة من النعم ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لتأكيد التذكير بالنِّعم ، ولتقريريهم بها ، وللتنبيه على أهميتها ، والنعم محصورة في دفع المكروه وتحصيل المقصود .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

الآلاء : النعم واحدها إِلىً بفتح الهمزة وكسرها ، وألْيٌ ، وأَلْوٌ .

الخطاب للإنس والجن وقد جاء بعد ذِكر كثير من النعم ، فبعد كل هذه النعم فبأي نعمة من ربكما تجحدان وتكذّبان ؟ ؟ .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالأبصار والبصائر ، وكان الخطاب للثقلين ، الإنس والجن ، قررهم تعالى بنعمه ، فقال : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي : فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان ؟

وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، فما مر بقوله : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلا قالوا{[944]}  ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد ، فهذا الذي ينبغي{[945]}  للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه ، أن يقر بها ويشكر ، ويحمد الله عليها .


[944]:- في ب: فكلما مر بقوله: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" قالوا.
[945]:- في ب: فهكذا ينبغي
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ثم خاطب الجن والإنس فقال : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أيها الثقلان ، يريد من هذه الأشياء المذكرة . وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنعمة وتأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع ، يعدد على الخلق آلاءه ، ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ، كقول الرجل لمن أحسن إليه : وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها : ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا ؟ ألم تك خاملاً ؟ فعززتك أفتنكر هذا ؟ ومثل هذا التكرير شائع في كلام العرب حسن تقريراً . وقد خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى : { ألقيا في جهنم }( ق-24 ) . وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : ما لي أراكم سكوتاً للجن كانوا أحسن منكم رداً ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا : ولا بشيء من نعمتك ربنا نكذب ، فلك الحمد " .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ثم خاطب الجن والانس فقال { فبأي آلاء } نعم { ربكما } هذه الأشياء التي ذكرها { تكذبان } لأنها كلها منعم بها عليكم في دلالاتها اياكم على وحدانية الله سبحانه ثم كرر في هذه السورة هذه الآية توكيدا وتذكيرا لنعمه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

قوله تعالى : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " خطاب للإنس والجن ؛ لأن الأنام واقع عليهما . وهذا قول الجمهور ، يدل عليه حديث جابر المذكور أول السورة ، وخرجه الترمذي وفيه " للجن أحسن منكم ردا{[14518]} " . وقيل : لما قال : " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما . وأيضا قال : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " [ الرحمن : 31 ] خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة : " يا معشر الجن والإنس " [ الرحمن : 33 ] . الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس وإن لم يتقدم للجن ذكر ، كقوله تعالى : " حتى توارت بالحجاب{[14519]} " [ ص : 32 ] . وقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القران ، والقرآن كالسورة الواحدة ، فإذا ثبت أنهم مكلفون كالإنس خوطب الجنسان بهذه الآيات . وقيل : الخطاب للإنس على عادة العرب في الخطاب للواحد بلفظ التثنية ، حسب ما تقدم من القول في " ألقيا في جهنم{[14520]} " [ ق : 24 ] . وكذلك قوله :

قفا نبك{[14521]} . . .

و*خَلِيلَيّ مُرَّا بي{[14522]} . . .

فأما ما بعد " خلق الإنسان " [ الرحمن : 3 ] " وخلق الجان " [ الرحمن : 15 ] فإنه خطاب للإنس والجن ، والصحيح قول الجمهور لقوله تعالى : " والأرض وضعها للأنام " والآلاء النعم ، وهو قول جميع المفسرين ، واحدها إِلًى وأَلًى مثل مِعًى وعَصًا ، وإِلْيٌ وأَلْيٌ أربع لغات حكاها النحاس قال : وفي واحد " أناء الليل " ثلاث تسقط منها المفتوحة الألف المسكنة اللام ، وقد مضى في " الأعراف{[14523]} " و " النجم{[14524]} " . وقال ابن زيد : إنها القدرة ، وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان ، وقاله الكلبي واختاره الترمذي محمد بن علي ، وقال : هذه السورة من بين السور عَلَم القرآن ، والعلم إمام الجند والجند تتبعه ، وإنما صارت علما لأنها سورة صفة الملك والقدرة ، فقال : " الرحمن . علم القرآن " فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة العظمى من رحمانيته فقال : " الرحمن . علم القرآن " ثم ذكر الإنسان فقال : " خلق الإنسان " ثم ذكر ما صنع به وما من عليه به ، ثم ذكر حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر ، وذكر رفع السماء ووضع الميزان وهو العدل ، ووضع الأرض للأنام ، فخاطب هذبن الثقلين الجن والإنس حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة ولا حاجة إلى ذلك ، فأشركوا به الأوثان وكل معبود اتخذوه من دونه ، وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم ، فقال سائلا لهم : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان ، فإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من ملكه وقدرته شريكا يملك معه يقدر معه ، فذلك تكذيبهم . ثم ذكر خلق الإنسان من صلصال ، وذكر خلق الجان من مارج من نار ، ثم سألهم فقال : " فبأي آلاء ربكما تكذبان " أي بأي قدرة ربكما تكذبان ، فإن له في كل خلق بعد خلق قدرة بعد قدرة ، فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير ، واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلقٍ خلقٍ . وقال القتبي : إن الله تعالى عدد في هذه السورة نعماءه ، وذكر خلقه آلاءه ، ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها ، كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره ومنكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا ؟ ! ألم تكن صرورة{[14525]} فحججت بك أفتنكر هذا ! ؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا ؟ ! والتكرير حَسَنٌ في مثل هذا . قال :

كم نعمةٍ كانت لَكُمْ كَمْ كَمْ وكَمْ

وقال آخر :

لا تقتلي مسلماً إن كنتِ مُسْلِمَةً *** إياكِ من دمِه إِيَّاكِ إياكِ

وقال آخر :

لا تقطعنَّ الصديق ما طَرَفَتْ *** عيناكَ من قول كاشِحٍ أَشِرِ

ولا تَمَلَّنَّ من زيارته زُرْهُ *** وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَزُرِ

وقال الحسين بن الفضل : التكرير طردا للغفلة ، وتأكيدا للحجة .


[14518]:رواية الترمذي المتقدمة تخالف هذه الرواية في اللفظ وهذه رواية الحاكم.
[14519]:راجع جـ 15 ص 195.
[14520]:راجع جـ ص 16 من هذا الجزء.
[14521]:البيت مطلع معلقة امرئ القيس وتمامه: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل
[14522]:البيت مطلع قصيدة لامرئ القيس أيضا والبيت بتمامه: خليلي مرا بي على أم جندب * نقض لبانات الفؤاد المعذب
[14523]:راجع جـ 7 ص 237.
[14524]:راجع جـ 121 من هذا الجزء.
[14525]:الصرورة: الذي لم يحج قط.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فبأي آلاء ربكما تكذبان } الآلاء هي النعم واحدها إلى على وزن معي وقيل : إلى على وزن قضى وقيل : ألى على وزن أمد أو على وزن حصر والخطاب للثقلين الإنس والجن بدليل قوله : { سنفرغ لكم أيه الثقلان } [ الرحمن : 31 ] روي : أن هذه الآية لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت أصحابه فقال جواب الجن خير من سكوتكم إني لما قرأتها على الجن قالوا : " لا نكذب بشيء من آلاء ربنا " . وكرر هذه الآية تأكيدا ومبالغة وقيل : إن كل موضع منها يرجع إلى معنى الآية التي قبله فليس بتأكيد لأن التأكيد لا يزيد على ثلاث مرات .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

ولما كان من كفر به سبحانه بإنكاره أو إنكار شيء من صفاته ، أو كذب بأحد من رسله قد أنكر نعمه أو نعمة منها فلزمه {[61833]}بانكاره لتلك{[61834]} النعمة إنكار جميع النعم ، لأن الرسل داعية إلى الله بالتذكير بنعمه ، وكان ما مضى من هذه السورة إلى هنا اثنتي عشرة آية على عدد الكوفي والشامي ، عدد فيها أصول نعمه سبحانه على وجه دل بغاية البيان على أن له كل كمال ، وكان هذا العدد أول عدد زائد إشارة إلى تزايد النعم لأن كسوره النصف والثلث الربع والسدس تزيد على أصله ، وكان قد مضى ذكر الثقلين الجن والإنس في قوله { الأنام } قال تعالى إشارة إلى أنهم المقصودون بالوعظ ، منكراً موبخاً مبكتاً لمن أنكر شيئاً من نعمه أو قال قولاً أو فعل فعلاً يلزم منه إنكار شيء منها مسبباً عما مضى من تعداد هذه النعم المتزايدة التي لا يسوغ إنكارها ولا إنكار شيئ منها فيجب شكرها : { فبأي آلاء } أي نعم وعطايا { ربكما } أي المحسن إليكما بما أسدى من المزايا التي أسداها إليكم على وجه الكبرياء والعظمة وهي دائمة لا تنقطع من غير حاجة إلى{[61835]} مكافأة أحد ولا غيرها - أيها الثقلان - المدبر لكما الذي لا مدبر ولا سيد لكما غيره ، من آياته وصنائعه وحكمه وحكمته وعزته في خلقه واستسلام الكل له وخضوعهما إليه ، فإن كل هذه النعم الكبار آيات دالة عليه وصنائع محكمة وأحكام وحكم ظهرت بها عزته وبانت بها قدرته { تكذبان * } فمخاطبته بهذا الثقلين دليل على أن هذه الأشياء تعم على الجن كما أنها تعم على الإنس{[61836]} ، وأن لهم من ذلك ما لهم ، وذكره لهذه الآية بعد ذكر هذا العدد من الآيات إشارة إلى أن زيادة النعم إلى حد لا يحصى بحيث أن استيفاء عددها لا تحيط به عقول المكلفين لئلا يظنوا أنه لا نعمة غير ما ذكر في هذه السورة ، والتعبير عنها بلفظ الآلاء من أجل أنها النعم المخصوصة بالملوك لما لها من اللمعان والصف المميز لها من غيرها ولما لرؤيتها من الخير والدعاء ، وهي وإن كانت من الوا فيمكن أخذها من اللؤواء إلى أن الأصل الهمزة واللام ، فإذا انضم إليهما لام أخرى أو ألف ازداد المعنى الذي كان ظهوراً لأن الألف غيب الهمزة وباطنها ، واللام هي عين ما كان فلم يحصل خروج عن ذلك المعنى ، فإذا نظرت إلى الآل كان المعنى أن تلك النعم الكبار الملوكية تظهر للعباد معرفته سبحانه وأنه يؤل إليه كل شيء أولاً من غير نزاع كما أنه كان بكل شيء ، وتكل عن نظرها الأبصار النوافذ كما تكل عن رؤية الأشخاص التي يرفعها الآل لأنها تدل عليه سبحانه .

. . نعم عظيمة وإن كانت نقماً لأنه لا نعمة تدل مثل ما دل عليه سبحانه ، وكرر هذه الآية في هذه السورة من هنا بعد كل آية إلى آخرها لما تقدم في القمر من أن المنكر إذا تكرر إنكاره جداً بحيث أحرق الأكباد في المجاهرة بالعناد حسن سرد ما أنكره عليه ، وكلما ذكر بفرد منه قيل له : لم تنكره ؟ سواء أقر به حال التقرير أو استمر على العناد ، فالتكرار حينئذ يفيد التعريف بأن إنكاره تجاوز الحد ، ولتغاير النعم وتعددها واختلافها حسن تكرير التوقيف عليها واحدة واحدة تنبيهاً على جلالتها ، فإن كانت نعمة فالأمر فيها واضح ، وإن كانت نقمة فالنعمة{[61837]} دفعها أو تأخير الإيقاع بها ، ولما تقدم من{[61838]} أن كل تذكير{[61839]} بما أفاده الله تعالى من النعم بالحواس الخمس مضروبة في الجهات الستّ على أنك إذا اعتبرت نفس الآية وجدتها مشيرة إلى ذلك ، فإن كل كلمة منها - إلا الأخيرة في رسم من أثبت ألفها من كتبة المصاحف - خمسة أحرف أن اعتبرت هجاء الأولين والثالثة خمسة في الرسم ستة في الهجاء والنطق ، فهي للحواس وللجهات لأن الكل من الرب ، والكلمة الأخيرة ستة أحرف إن اعتبرت رسمها في المصاحف التي أسقطت ألفها ، فإن في إثباتها وحذفها اختلافاً بين أئمة المصاحف ، وهي إشارة إلى الجهات التي يملك الإنسان التصرف فيها ، أما{[61840]} الحواس فلا اختيار له فيها ، وإن اعتبرت هجاءها بحسب النطق كانت سبعة أحرف إشارة إلى أن النعم أكثر من أن تحصى لما تقدم من أسرار عدد السبعة وإلى أن تكذيب المكلفين متكاثر جداً ، فلذلك كان في غاية المناسبة أن تبسط هذه النعم على عدد ضرب الحواس الخمس في الجهات الست ، وذلك في الحقيقة فائدة ، فإنه من المألوف المعروف والجميل الموصوف أن التكرير عند التكذيب يوجب التكرير عند التقرير ، ويبلغ به النهاية في حسن التأثير ، وزاد العدد على مسطح الخمس في الست واحدة إشارة إلى أن نعم الواحدة لا انقطاع لها ، ولذلك فصلت إلى ثمان ذكرت أولاً عقب النعم ، فكانت على عدد السبع الذي هو أول عدد تام لأنه جمع الفرد والزوج وزوج الفرد وزوج الزوج ، وزاد بواحد إشارة إلى أنه كلما انقضى دور من عدد تام جدير لنعم أخرى فهي لا تتناهى لأن موليها له القدرة الشاملة والعلم التام ورحمته سبقت غضبه ، وفي كونها ثمانية إشارة إلى أنها سبب إلى الجنة ذات الأبواب الثمانية إن شكرت ، وفي تعقيبها بسبع نارية إشارة إلى أنها سبب للنار ذات الأبواب السبعة إن كفرت وفي تعقيبها بها إشارة إلى أن سببيتها للنار أقرب لكونها حفت بالشهوات ، وفي ذلك إشارة إلى أن من اتقى ما توعد عليه بشكر هذه النعم وقي أبواب النار السبعة ، ثم عقبها بثمانية ذكر فيها جنة المقربين إشارة إلى أن من عمل لما وعده كما أمره به الله نال أبواب الجنة الثمانية ، وثمانية أخرى عقب جنة أصحاب اليمين إشارة إلى مثل ذلك والله أعلم ، وكان ترتيبها في غاية الحسن ، ذكرت النعم أولاً استعطافاً وترغيباً في الشكر ثم الأهوال ترهيباً ودرأ للمفسدة بالعصيان والكفر ثم النعم الباقية لجلب المصالح ، وبدأ بأشرفها فذكر الجنة العليا لأن القلب إثر التخويف يكون أنشط والهمم تكون أعلى والعزم يكون أشد ، فحينئذ هذه الآية الأولى من الإحدى والثلاثين مشيرة إلى أن نعمة البصر من جهة الأمام ، فكأنه قيل : أبنعمة البصر مما يواجهكم أو غيرها تكذبان .


[61833]:- من ظ، وفي الأصل: لإنكار تلك.
[61834]:- من ظ، وفي الأصل: لإنكار تلك.
[61835]:- زيد من ظ.
[61836]:- من ظ، وفي الأصل: الإنسان.
[61837]:- زيد من ظ.
[61838]:- زيد من ظ.
[61839]:- من ظ، وفي الأصل: مذكر تذكرا.
[61840]:من ظ، وفي الأصل: أو.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فبأي آلاء ربكما تكذبان }

( فبأي آلاء ) نعم ( ربكما ) أيها الإنس والجن ( تكذبان ) ذكرت إحدى وثلاثين مرة ، والاستفهام فيها للتقرير لما روي الحاكم عن جابر قال : " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : مالي أراكم سكوتاً ، للجن كانوا أحسن منكم رداً ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد " .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 13 ) }

فبأي نِعَم ربكما الدينية والدنيوية- يا معشر الجن والإنس- تكذِّبان ؟ وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، فكلما مر بهذه الآية ، قالوا : " ولا بشيء من آلائك ربَّنا نكذب ، فلك الحمد " ، وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه ، أن يُقرَّ بها ، ويشكر الله ويحمده عليها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } آلاء جمع ومفرده : إلي وألي وألي وإلى وألو{[4419]} والآلاء ، النعم والخيرات مما منّ الله به على العالمين من وجوه الرزق والخير والنعمة في مختلف مناحي الحياة والطبيعة ، فضلا عما ذرأه الله في نفس الإنسان من النعم الكثيرة كنعمة العقل والسمع والبصر والشم والذوق والحس والمشي ، وما ذرأه لذلك كله من أسباب ووسائل في غاية الكمال من حسن الهيئة والصورة وتمام التناسق والانسجام . والمعنى : فبأي أنعم الله أيها الثقلان تكذبان وهي أنعم جزيلة وهائلة ومبسوطة في أرجاء الكون والحياة جميعا . وإذا قرأنا هذه الآية بادرنا القول كما قالت الجن المؤمنون : اللهم ولا بشيء من آلائك نكذب {[4420]} .


[4419]:القاموس المحيط ص 1627.
[4420]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 272 وتفسير النسفي جـ 4 ص 208.