وفي ظلال هذا المشهد كذلك يتوجه بالتثبيت للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير :
( نحن أعلم بما يقولون . وما أنت عليهم بجبار . فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . .
( نحن أعلم بما يقولون ) . . وهذا حسبك . فللعلم عواقبه عليهم . . وهو تهديد مخيف ملفوف .
( وما أنت عليهم بجبار ) . . فترغمهم على الإيمان والتصديق . فالأمر في هذا ليس إليك . إنما هو لنا نحن ، ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون . .
( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . . والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب . على ذلك النحو العجيب .
وحين تعرض مثل هذه السورة ، فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان . ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون . وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين ! وصدق الله العظيم . .
القول في تأويل قوله تعالى : { نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } .
يقول تعالى ذكره : نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فِريتهم على الله ، وتكذيبهم بآياته ، وإنكارهم قُدرة الله على البعث بعد الموت وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ يقول : وما أنت عليهم بمسلط . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ قال : لا تتجبر عليهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فإن الله عزّ وجلّ كره الجبرية ، ونهى عنها ، وقدّم فيها . وقال الفرّاء : وضع الجبار في موضع السلطان من الجبرية وقال : أنشدني المفضل :
وَيَوْمَ الحَزْنِ إذْ حَشَدَتْ مَعَدّ *** وكانَ النّاسُ إلا نَحْنُ دِينا
عَصَيْنا عَزْمَةَ الجَبّارِ حَتّى *** صَبَحْنا الجَوْفَ ألْفا مُعْلَمِينا
ويروى : «الجوف » وقال : أراد بالجبار : المنذر لوَلايته .
قال : وقيل : إن معنى قوله : وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ لم تُبعث لتجْبُرَهم على الإسلام ، إنما بعثت مذكّرا ، فذكّر . وقال : العرب لا تقول فعال من أفعلت ، لا يقولون : هذا خراج ، يريدون : مُخْرِج ، ولا يقولون : دخَال ، يريدون : مُدْخِل ، إنما يقولون : فعال ، من فعلت ويقولون : خراج ، من خرجت ودخال : من دخلت وقتّال ، من قتلت . قال : وقد قالت العرب في حرف واحد : درّاك ، من أدركت ، وهو شاذّ .
قال : فإن قلت الجبار على هذا المعنى ، فهو وجه . قال : وقد سمعت بعض العرب يقول : جبره على الأمر ، يريد : أجبره ، فالجبار من هذه اللغة صحيح ، يراد به : يقهرهم ويجبرهم .
وقوله : فَذَكّرْ بالقُرآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ يقول تعالى ذكره : فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليه من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ ، قال : حدثنا حكام الرازي ، عن أيوب ، عن عمرو الملائي ، عن ابن عباس ، قال : قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا ؟ فنزلت فَذَكّرْ بالقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، قال : قالوا : يا رسول الله ، لو ذكّرتنا ، فذكر مثله .
استئناف بياني ناشىء عن قوله { فاصبر على ما يقولون } [ ق : 39 ] فهو إيغال في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتعريض بوعيدهم ، فالخبر مستعمل مجازاً في وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله سيعاقب أعداءه .
وقوله : { وما أنت عليهم بجبار } تطمين للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه غير مسؤول عن عدم اهتدائهم لأنه إنما بُعث داعياً وهادياً ، وليس مبعوثاً لإرغامهم على الإيمان ، والجبّار مشتق من جبره على الأمر بمعنى أكرهه . وفرع عليه أمره بالتذكير لأنه ناشىء عن نفي كونه جبّاراً عليهم وهذا كقوله تعالى : { فذكّر إنما أنت مذكّر لستَ عليهم بمسيطر } [ الغاشية : 21 ، 22 ] ، ولكن خصّ التذكير هنا بالمؤمنين لأنه أراد التذكير الذي ينفع المذكَّر . فالمعنى : فذكر بالقرآن فيتذكّر مَن يخاف وعيد . وهذا كقوله : { إنما أنت منذر من يخشاها } [ النازعات : 45 ] .
وكتب في المصحف { وعيد } بدون ياء المتكلم فقرأه الجمهور بدون ياء في الوصل والوقف على أنه من حذف التخفيف . وقرأه ورش عن نافع بإثبات الياء في الوصل . وقرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.