( وقالوا : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب ، فاعمل إننا عاملون ) . .
قالوا هذا إمعاناً في العناد ، وتيئيساً للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليكف عن دعوتهم ، لما كانوا يجدونه في قلوبهم من وقع كلماته ، على حين يريدون عامدين ألا يكونوا مؤمنين !
قالوا : قلوبنا في أغطية فلا تصل إليها كلماتك . وفي أذاننا صمم فلا تسمع دعوتك . ومن بيننا وبينك حجاب ، فلا اتصال بيننا وبينك . فدعنا واعمل لنفسك فإننا عاملون لأنفسنا . أو إنهم قالوا غير مبالين : نحن لا نبالي قولك وفعلك ، وإنذارك ووعيدك . فإذا شئت فامض في طريقك فإنا ماضون في طريقنا . لا نسمع لك وافعل ما أنت فاعل . وهات وعيدك الذي تهددنا به فإننا غير مبالين .
هذا نموذج مما كان يلقاه صاحب الدعوة الأول [ صلى الله عليه وسلم ] ثم يمضي في طريقه يدعو ويدعو ، لا يكف عن الدعوة ، ولا ييأس من التيئيس ، ولا يستبطئ وعد الله ولا وعيده للمكذبين . كان يمضي مأموراً أن يعلن لهم أن تحقق وعيد الله ليس بيده ؛ فما هو إلا بشر يتلقى الوحي ، فيبلغ به ، ويدعو الناس إلى الله الواحد . وإلى الاستقامة على الطريق ، وينذر المشركين كما أمر أن يفعل . والأمر بعد ذلك لله لا يملك منه شيئاً ، فهو ليس إلا بشراً مأموراً :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيَ أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنّنَا عَامِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون المعرضون عن آيات الله من مشركي قريش إذ دعاهم محمد نبيّ الله إلى الإقرار بتوحيد الله وتصديق ما في هذا القرآن من أمر الله ونهيه ، وسائر ما أنزل فيه قُلُوبُنا في أكِنّةٍ يقول : في أغطية مِمّا تَدْعُونا يا محمد إلَيهِ من توحيد الله ، وتصديقك فيما جئتنا به ، لا نفقه ما تقول وفي آذانِنا وَقْرٌ وهو الثقل ، لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالاً لما يدعو إليه وكراهة له . وقد مضى البيان قبل عن معاني هذه الأحرف بشواهده ، وذكر ما قال أهل التأويل فيه ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع . وقد :
حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : قُلُوبُنا في أكِنّةٍ قال : عليها أغطية كالجَعْبَة للنّبْل .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أكِنّةٍ قال : عليها أغطية وفِي آذَانِنا وَقْرٌ قال : صمم .
وقوله : وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ يقولون : ومن بيننا وبينك يا محمد ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت ، فيرى بعضنا بعضا ، وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين ، لأن دينهم كان عبادة الأوثان ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم عبادة الله وحده لا شريك له ، فذلك هو الحجاب الذي زعموا أنه بينهم وبين نبيّ الله ، وذلك هو خلاف بعضهم بعضا في الدين .
وقوله : فاعْمَلْ إنّنا عامِلُونَ يقول : قالوا : له صلى الله عليه وسلم : فاعمل يا محمد بدينك وما تقول إنه الحقّ ، إننا عاملون بديننا ، وما تقول إنه الحقّ ، ودع دعاءنا إلى ما تدعونا إليه من دينك ، فإنا ندع دعاءك إلى ديننا . وأدخلت «من » في قوله وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ والمعنى : وبيننا وبينك حجاب ، توكيدا للكلام .
{ وقالوا قلوبنا في أكنة } أغطية جمع كنان . { مما تدعونا إليه وفي أذاننا وقر } صمم ، وأصله الثقل ، وقرئ بالكسر . { ومن بيننا وبينك حجاب } يمنعنا عن التواصل ، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ . وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له ، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم . { فاعمل } على دينك أو في إبطال أمرنا . { إننا عاملون } على ديننا أو في إبطال أمرك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.