المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

35- فاصبر - يا محمد - على الكافرين كما صبر أصحاب القوة والثبات من الرسل في الشدائد ، ولا تستعجل لهم العذاب ، فهو واقع بهم - لا محالة - وإن طال الأمد . كأنهم يوم يشاهدون هوله يحسبون مدة لبثهم قبله ساعة من نهار . هذا الذي وعظتم به كاف في الموعظة ، فلن يهلك بعذاب الله إلا الخارجون عن طاعته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

21

وعلى هذا المشهد الحاسم في مصير الذين كفروا ، وعلى مشهد الإيمان من أبناء عالم آخر . وفي ختام السورة التي عرضت مقولات الكافرين عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وعن القرآن الكريم . . يجيء الإيقاع الأخير . توجيها للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يصبر عليهم ، ولا يستعجل لهم ، فقد رأى ما ينتظرهم ، وهو منهم قريب :

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ولا تستعجل لهم ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون . . )

وكل كلمة في الآية ذات رصيد ضخم ؛ وكل عبارة وراءها عالم من الصور والظلال ، والمعاني والإيحاءات ، والقضايا والقيم .

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل . ولا تستعجل لهم . . )

توجيه يقال لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهو الذي احتمل ما احتمل ، وعانى من قومه ما عانى . وهو الذي نشأ يتيما ، وجرد من الولي والحامي ومن كل أسباب الأرض واحدا بعد واحد . الأب . والأم . والجد . والعم . والزوج الوفية الحنون . وخلص لله ولدعوته مجردا من كل شاغل . كما هو مجرد من كل سند أو ظهير . وهو الذي لقي من أقاربه من المشركين أشد مما لاقى من الأبعدين . وهو الذي خرج مرة ومرة ومرة يستنصر القبائل والأفراد فرد في كل مرة بلا نصرة . وفي بعض المرات باستهزاء السفهاء ورجمهم له بالحجارة حتى تدمى قدماه الطاهرتان ، فما يزيد على أن يتوجه إلى ربه بذلك الابتهال الخاشع النبيل .

وبعد ذلك كله يحتاج إلى توجيه ربه : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .

ألا إنه لطريق شاق طريق هذه الدعوة . وطريق مرير . حتى لتحتاج نفس كنفس محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في تجردها وانقطاعها للدعوة ، وفي ثباتها وصلابتها ، وفي صفائها وشفافيتها . تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة المتعنتين .

نعم . وإن مشقة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة ، وإن صعوبته لتحتاج إلى صبر . وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة من رحيق العطف الإلهي المختوم .

( فاصبر . كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .

تشجيع وتصبير وتأسية وتسلية . . ثم تطمين :

( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) . .

إنه أمد قصير . ساعة من نهار . وإنها حياة خاطفة تلك التي يمكثونها قبيل الآخرة . وإنها لتافهة لا تترك وراءها من الوقع والأثر في النفوس إلا مثلما تتركه ساعة من نهار . . ثم يلاقون المصير المحتوم . ثم يلبثون في الأبد الذي يدوم . وما كانت تلك الساعة إلا بلاغا قبل أن يحق الهلاك والعذاب الأليم :

( بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) . .

لا . وما الله يريد ظلما للعباد . لا . وليصبر الداعية على ما يلقاه . فما هي إلا ساعة من نهار . ثم يكون ما يكون . . .