بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

{ فاصبر } يا محمد ، يعني : اصبر على أذى أهل مكة ، وتكذيبهم .

{ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } يعني : أولو الحزم ، وهو أن يصبر في الأمور ، ويثبت عليها ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يدعو عليهم ، فأمره الله تعالى بالصبر ، كما صبر نوح ، وكما صبر إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقال السدي : { أولو العزم } الذين أمروا بالقتال من الرسل . وقال أبو العالية : أولو العزم من الرسل ، كانوا ثلاثة والنبي صلى الله عليه وسلم رابعهم ، إبراهيم وهود ونوح ، فأمره الله تعالى أن يصبر كما صبروا . وقال مقاتل : أولو العزم من الرسل اثني عشر نبياً في بيت المقدس ، فأوحى الله إليهم ثلاث مرات ، أن اخرجوا من بين أقوامكم ، فلم يخرجوا .

فقال الله تعالى : يمضي العذاب عليكم مع قومكم فتشاوروا فاختاروا هلاك أنفسهم بينهم { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } يعني : لا تستعجل لهم بالعذاب { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } يعني : العذاب قد أتاهم من قريب في الآخرة ، فلقربه كأنهم يرونه في الحال . ويقال : في الآية تقديم وتأخير ، كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة في الدنيا يعني : إذا أتاهم ذلك اليوم ، يرون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا القليل .

فذلك قوله : { لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ } يعني : من نهار الدنيا . ويقال : يعني : في القبور . وقال أبو العالية : معناه كأنهم يرون ، حين يظنون أنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . ثم قال { بَلاَغٌ } يعني : ذلك بلاغ وبلغه وأجل ، فإذا بلغوا أجلهم ذلك { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون } يعني : هل يهلك في العذاب ، إذا جاء العذاب إلا القوم العاصون . ويقال : معناه لا يهلك مع رحمة الله وفضله ، إلا القوم الفاسقون . ويقال : بلاغ يعني : هذا الذي ذكر بلاغ . أي : تمام العظة . ويقال : هو من الإبلاغ ، أي : هذا إرسال وبيان لهم كقوله { هذا بلاغ لّلنَّاسِ } والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وآله وصحبه وسلم .