النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

قوله عز وجل : { فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِن الرُّسُلِ } فيهم ستة أوجه :

أحدها : أن أولي العزم من الرسل الذين أمروا{[2649]} بالقتال من الأنبياء ، قاله السدي والكلبي .

الثاني : أنهم العرب من الأنبياء ، قاله مجاهد والشعبي .

الثالث : من لم تصبه فتنة من الأنبياء ، قاله الحسن .

الرابع : من أصابه منهم بلاء بغير ذنب ، قاله ابن جريج .

الخامس : أنهم أولوا العزم ، حكاه يحيى .

السادس : أنهم أولوا الصبر الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا .

وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على مخبوئها » .

وفي أولي العزم منهم ستة أقاويل :

أحدها : أن جميع الأنبياء أولوا العزم ، ولم يبعث الله رسولاً إلا كان من أولي العزم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا ، قاله ابن زيد .

الثاني : أن أولي العزم منهم نوح وهود وإبراهيم ، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم ، قاله أبو العالية .

الثالث : أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، قاله ابن عباس .

الرابع : أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى ، قاله عبد العزيز .

الخامس : أنهم إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم ، قاله السدي .

السادس : أن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم ، قاله ابن جريج .

{ وَلاَ تَسْتَعْجِلَ لَّهُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : بالدعاء عليهم ، قاله مقاتل .

الثاني : بالعذاب وهذا وعيد .

{ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : من العذاب{[2650]} ، قاله يحيى .

الثاني : من الآخرة ، قاله النقاش .

{ لَمْ يَلبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِن نَّهَارٍ } فيه وجهان :

أحدهما : في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى .

الثاني : في قبورهم حتى بعثوا للحساب ، وهو مقتضى قول النقاش .

{ بَلاَغٌ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ذلك اللبث بلاغ ، قاله ابن عيسى .

الثاني : أن هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن .

الثالث : أن هذا الذي وصفه الله بلاغ ، وهو حلول ما وعده إما من الهلاك في الدنيا أو العذاب في الآخرة على ما تقدم من الوجهين :

{ فَهَل يُهْلَكُ } يعني بعد هذا البلاغ .

{ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ } قال يحيى : المشركون .

وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فأمره الله أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولوا العزم من الرسل تسهيلاً عليه وتثبيتاً له ، والله أعلم .


[2649]:في ك آمنوا.
[2650]:ما بين الزاويتين ساقط من ع.