واخْتُلِفَ في تعيين أُولى الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، ولا محالةَ أَنَّ لكل نبيٍّ ورسولٍ عَزْماً وصَبْراً .
وقوله : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } معناه : ولا تستعجلْ لهم عذاباً ؛ فإنَّهم إليه صائرون ، ولا تَسْتَطِلْ تعميرَهُمْ في هذه النِّعْمَةِ ؛ فَإنَّهم يوم يَرَوْنَ العذاب كأنهم لَم يَلْبَثُوا في الدنيا إلاَّ ساعةً لاِحتقارهم ذلك ؛ لأَنَّ المنقضيَ من الزمان يصير عَدَماً .
( ت ) : وإذا علمتَ أَيُّها الأخُ أَنَّ الدنيا أضغاثُ أحْلاَم ، كان من الحزم اشتغالُكَ الآنَ بتَحْصِيلِ الزادِ لِلْمَعَاد ، وحِفْظِ الحَواسِّ ، ومراعاةِ الأنفاس ، ومراقبة مَوْلاَك ، فَاتَّخِذْهُ صاحباً ، وذَرِ الناس جانباً ؛ قال أبو حامد الغَزَّالِيُّ رحمه اللَّه : اعلم أَنَّ صاحبك الذي لا تفارقُهُ في حَضَرِكَ وسَفَرِكَ ، ونَوْمِكَ ويَقَظَتِكَ ، بل في حياتك ، وموتك هو رَبُّك ، ومولاك ، وسَيِّدُك ، وخالقك ، ومهما ذكرتَهُ فهو جَلِيسُكَ ؛ إذ قال تعالى : " أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي " ، ومهما انكسر قلبُكَ حُزْناً على تَقْصِيرِكَ في حق دِينِكَ ، فهو صَاحِبُكَ ومُلاَزِمُكَ ؛ إذْ قال : أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبهمْ مِنْ أَجْلِي . فلو عرفته يا أخي حَقَّ معرفتِهِ لاَتَّخذْتَهُ صَاحِباً ، وتركْتَ الناَّسَ جانباً ، فإنْ لم تَقْدِرْ على ذلك في جميع أوقاتك ، فَإيَّاكَ أنْ تُخْلِيَ ليلَكَ ونهارَكَ عَنْ وَقْتٍ تخلُو فيه بموْلاَكَ ، وتَلذَّذُ بمناجاتِهِ ، وعند ذلك فعليكَ بآدَابِ الصُّحْبَةِ مع اللَّه تعالى ، وآدابُهَا : إطراقُ الطَّرْفِ ، وجَمْعُ الهَمِّ ، ودَوَامُ الصَّمْتِ ، وسُكُونُ الجَوَارِحِ ، ومُبَادَرَةُ الأَمْرِ ، واجتنابُ النَّهْي ، وقِلَّةُ الاِعتراضِ عَلَى الْقَدَرِ ، ودَوَامُ الذِّكْرِ باللسان ، ومُلاَزَمَةُ الفِكْر ، وإيثارُ الحَقِّ ، واليَأْسُ من الخَلْقِ ، والخضوعُ تحْتَ الهيبَةِ ، والانْكِسَارُ تحت الحياء ، والسُّكُونُ عن حِيَلِ الكَسْب ثِقَةً بالضَّمَان ، والتَوَكُّلُ على فَضْل اللَّه معرفةً بحسن اختياره ؛ وهذا كله ينبغي أنْ يكون شعارَكَ ، في جميع لَيْلِكَ ونَهَارِك ، فإنَّهُ آداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك ، والخلق كُلُّهم يفارقُونَكَ في بَعْضِ أوقاتك ، انتهى من «بداية الهداية » .
وقوله : { بَلاَغٌ } يحتمل [ معانيَا ] :
أحدُهَا : أَنْ يكون خبر مبتدأ محذوفٍ ، أي : هذا إنذارٌ وتبليغٌ .
ويحتمل أنْ يريد : كأنْ لم يلبثوا إلاَّ ساعةً كانَتْ بلاغَهُمْ ، وهذا كما تَقُولُ : متاعٌ قليلٌ ، وقيل غَيْرُ هذا ، وقرأ أبو مِجْلَزٍ وغَيره : { بَلَغٌ } على الأمر ، وقرأ الحسنُ بْنُ أبي الحَسَنِ : { بَلاَغٌ } بالخفْضِ نعتاً ل { نَّهَارٍ } .
وقوله سبحانه : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون } وقُرِئ شَاذاً : { فَهَلْ يُهْلَكُ } ببناء الفعل للفاعل ، وفي هذه الآية وعيدٌ مَحْضٌ ، وإنذارٌ بَيِّنٌ ؛ وذلك أَنَّ اللَّه عز وجل جعل الحسنة بعشر أمثالها والسيئةَ بمثلها ، وغفر الصغائر باجتنابِ الكبائرِ ، ووعد الغفرانَ على التوبة ، فلن يهلك على اللَّه إلاَّ هالَكَ ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم قال الثعلبيُّ : يقال : إن قوله تعالى : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون } أرجى آية في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ للمؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.