فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

لما قرّر سبحانه الأدلة على النبوّة والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال : { فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل } والفاء جواب شرط محذوف : أي إذا عرفت ذلك ، وقامت عليه البراهين ولم ينجع في الكافرين فاصبر كما صبر أولوا العزم : أي أرباب الثبات والحزم ، فإنك منهم . قال مجاهد : أولوا العزم من الرسل خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : هم نوح وهود وإبراهيم ، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم . وقال السديّ . هم ستة إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس . وقال الشعبي والكلبي : هم الذين أمروا بالقتال ، فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة ، وقيل : هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط . واختار هذا الحسين بن الفضل لقوله بعد ذكرهم : { أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] وقيل : إن الرسل كلهم أولوا عزم ، وقيل : هم اثنا عشر نبياً أرسلوا إلى بني إسرائيل . وقال الحسن : هم أربعة : إبراهيم وموسى وداود وعيسى { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي لا تستعجل العذاب يا محمد للكفار . لما أمره سبحانه بالصبر ، ونهاه عن استعجال العذاب لقومه رجاء أن يؤمنوا قال : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } من العذاب { لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ } أي كأنهم يوم يشاهدونه في الآخرة لم يلبثوا في الدنيا إلاّ قدر ساعة من ساعات الأيام لما يشاهدونه من الهول العظيم والبلاء المقيم . قرأ الجمهور : { بلاغ } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هذا الذي وعظتهم به بلاغ ، أو تلك الساعة بلاغ ، أو هذا القرآن بلاغ ، أو هو مبتدأ ، والخبر لهم الواقع بعد قوله : { وَلاَ تَسْتَعْجِل } أي لهم بلاغ ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ، وزيد بن عليّ «بلاغاً » بالنصب على المصدر : أي بلغ بلاغاً ، وقرأ أبو مجلز ( بلغ ) بصيغة الأمر . وقرئ ( بلغ ) بصيغة الماضي { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون } قرأ الجمهور : { فهل يهلك } على البناء للمفعول . وقرأ ابن محيصن على البناء للفاعل ، والمعنى : أنه لا يهلك بعذاب الله إلاّ القوم الخارجون عن الطاعة ، الواقعون في معاصي الله . قال قتادة : لا يهلك على الله إلاّ هالك مشرك . قيل : وهذه الآية أقوى آية في الرجاء . قال الزجاج : تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلاّ القوم الفاسقون .

/خ35