الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

قوله : { فَاصْبِرْ } : الفاءُ عاطفةٌ هذه الجملةَ على ما تقدَّمَ ، والسببيَّةُ فيها ظاهرةٌ .

قوله : " من الرسُل " يجوزُ أَنْ تكونَ تبعيضيَّةً ، وعلى هذا فالرسلُ أولو عَزْمٍ وغيرُ أُولي عَزْمٍ . ويجوز أَنْ تكونَ للبيانِ ، فكلُّهم على هذا أُوْلو عَزْم .

قوله : " بلاغٌ " العامَّةُ على رَفْعِه . وفيه وجهان ، أحدهما : أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، فقدَّره بعضُهم : تلك الساعةُ بلاغٌ ، لدلالةِ قولِه : { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وقيل : تقديرُه هذا أي : القرآن والشرعُ بلاغٌ . والثاني : أنَّه مبتدأٌ ، والخبرُ قولُه : " لهم " الواقعُ بعد قولِه : " ولا تَسْتَعْجِلْ " أي : لهم بلاغٌ ، فيُوْقَفُ على " فلا تَسْتعجل " . وهو ضعيفٌ جداً للفصلِ بالجملةِ التشبيهية ، لأنَّ الظاهرَ تَعَلُّقُ " لهم " بالاستعجال ، فهو يُشْبِه التهيئةَ والقطعَ . وقرأ زيد بن علي والحسن وعيسى " بلاغاً " نصباً على المصدرِ أي : بَلَغَ بلاغاً ، ويؤيِّده قراءةُ أبي مجلز " بَلِّغْ " أمراً . وقرأ أيضاً " بَلَغَ " فعلاً ماضياً .

ويُؤْخَذُ مِنْ كلامِ مكيّ أنه يجوزُ نصبُه نعتاً ل " ساعةً " فإنه قال : " ولو قُرِئ " بلاغاً " بالنصبِ على المصدر أو على النعتِ ل " ساعةً " جاز " . قلت : قد قُرِئ به وكأنه لم يَطَّلِعْ على ذلك .

وقرأ " الحسن " أيضاً " بلاغ " بالجرِّ . وخُرِّجَ على الوصف ل " نهار " على حَذْفِ مضافٍ أي : مِنْ نَهارٍ ذي بلاغ ، أو وُصِف الزمانُ بالبلاغ مبالغةً .

قوله : " يُهْلَكُ " العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ . وابن محيصن " يَهْلِك " بفتح الياء وكسرِ اللام مبنياً للفاعل . وعنه أيضاً فتحُ اللامِ وهي لغةٌ . والماضي هلِكَ بالكسر . قال ابن جني : " كلٌ مرغوبٌ عنها " . وزيد بن ثابت بضمِّ الياءِ وكسرِ اللام/ والفاعلُ اللَّهُ تعالى . " القومَ الفاسقين " نصباً على المفعولِ به . و " نُهْلك " بالنون ونصب " القوم " .