ثم قال : { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [ 34 ] .
أي : فاصبر يا محمد على ما تلقاه{[63266]} من قومك كما صبر أولوا العزم من الرسل من قبلك على ما لقوا من قومهم من التكذيب والمكاره ، فصبر نبيه على ما يناله من قومه من الأذى والمكروه وعلمه أن ذلك قد لقيه الرسل قبله ليتأسى بهم ، وأولوا العزم من الرسل الذين كانوا امتحنوا مع قومهم في ذات الله في الدنيا{[63267]}
فلم تردهم المحن عن تبليغ ما أرسلوا به وإنذار من أرسلوا إليه في الدنيا .
قال عطاء{[63268]} : هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم{[63269]} .
وقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي{[63270]} عزم ، لم يتخذ الله رسولا إلا كان ذا عزم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا{[63271]} .
وقال قتادة : هم أربعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى صلوات الله عليهم{[63272]} .
وقال مجاهد : هم خمسة كقول عطاء{[63273]} ( وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم .
ثم قال : { ولا تستعجل لهم } أي : ولا{[63274]} تستعجل لهم يا محمد إتيان العذاب من عند ربك على كفرهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، وإن متعوا في الدنيا فإنما هو متاع قليل .
ثم قال { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } .
وذلك أنهم ينسون مقدار لبثهم في الدنيا ، وتهون عليهم مدته{[63275]} لهول ما يرون ، وشدة ما يلقون ، وما يعانون من الأهوال والعذاب وهذا مثل قوله قال{[63276]} : { قال كم لبثتم في الأرض{[63277]} عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين }{[63278]} ، استقلوا لبثهم في الدنيا حتى جعلوه يوما أو أقل من يوم لعظيم ما عاينوا ، والعادون : الملائكة .
وقوله : { بالغ } معناه : كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، ذلك لبث بلاغ لهم في الدنيا إلى آجالهم ، أي : لبث بلاغهم إلى آجالهم ، ثم حذف المضاف مثل/ { واسأل القرية }{[63279]} .
وقيل المعنى : هذا القرآن ، أو هذه التلاوة والإنذار بلاغ لهم ، ( أي : كفاية لهم{[63280]} ) . أن تكفروا واعتبروا وتذكروا{[63281]} . وقيل بلاغ : معناه : قليل ، تقول العرب : ما معه من الزاد إلا بلاغ ؛ أي : قليل ، وقيل المعنى : هذا الذي وعظوا به بلاغ{[63282]} .
وقرأ عيسى بن عمر : " بلاغا " بالنصب ، جعله نعتا لساعة{[63283]} وقيل نصبه على المصدر{[63284]} .
وقرأ أبو مجلز{[63285]} " بلغ " على الأمر{[63286]} .
ثم قال : { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } أي : فهل يهلك الله بعذابه إلا القوم الذين خرجوا عن طاعة الله ، وخالفوا أمره وكفروا به .
وقيل المعنى : فهل يهلك مع تفضل الله ورحمته إلا القوم الفاسقون .
وحكى أبو حاتم عن بعضهم{[63287]} - واستبعده – أن الوقف ولا تستعجل{[63288]} ثم يبتدئ { لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ } أي : لهم بلاغ ، وفيه بعد ؛ لأن الخبر قد بعد من{[63289]} الابتداء واعترض{[63290]} بينهما شيء كثير ليس منه .
وقال غيره { ولا تستعجل لهم{[63291]} } وقف تام : و{[63292]} عن الحسن { من نهار } تمام الكلام ، وهو قول أبي حاتم أيضا ، وقال{[63293]} يعقوب ثم تبتدئ { بالغ } أي : " ذلك بلاغ " وكذلك قال نافع/ ، إلا أنه قال : وإن شئت وقفت على " بلاغ " . ومن نصب فلا يقف إلا على بلاغ{[63294]} ؛ لأن ما قبله عمل فيه فلا يفرق بينهما ، ومن قرأ " بلغ " وقف على " نهار " واستأنف بالأمر{[63295]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.