فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

{ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } إصبر أو ثق بحكم الله ، والثبات من غير بث ولا استكراه قاله القشيري ، والفاء جواب شرط محذوف أي إذا عرفت ذلك وقامت عليه البراهين ولم ينجح في الكافرين فاصبر كما صبر أرباب الثبات والحزم وأولو الجد والصبر فإنك منهم .

قال مجاهد : أولو العزم من الرسل خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، وهم أصحاب الشرائع ، وبه قال ابن عباس . وقال أبو العالية : هم نوح وهود وإبراهيم ، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم . وقال السدي هم ستة : إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقيل نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس .

وقال الشعبي والكلبي : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة ؛ وقيل هم نجباء الرسل المذكورين في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإسماعيل وإلياس واليسع ويونس ولوط ، واختار هذا الحسين بن الفضل لقوله بعد ذكرهم :

{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وقيل أن الرسل كلهم أولو عزم ولم يبعث الله عز وجل نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل . وقيل هم أثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل ، وقال الحسن هم أربعة إبراهيم وموسى وداود وعيسى وعن ابن عباس قال هم الذين أمروا بالقتال حتى مضوا على ذلك نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان .

وعن جابر بن عبد الله قال : " بلغني أن أولي العزم من الرسل كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر " ، وعن عائشة قالت : " ظل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صائما ثم طوى ثم ظل صائما ثم طوى ثم ظل صائما ، قال : يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال : اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله " ، أخرجه ابن أبي حاتم والديلمي .

قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : محكمة ، قال القرطبي : والأظهر أنها منسوخة لأن السورة مكية ، وذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فأمره الله أن يصبر على ما أصابه أولو العزم تسهيلا عليه وتثبيتا له .

{ ولا تستعجل لهم } أي لا تستعجل العذاب يا محمد للكفار ، فإنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر ، واللام للتعليل ، ولما أمره سبحانه بالصبر ونهاه عن استعجال العذاب لقومه رجاء أن يؤمنوا قال { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } من العذاب في الآخرة لطوله { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } أي إلا قدر ساعة من ساعات الأيام لما يشاهدونه من الهول العظيم والبلاء المقيم .

{ بلاغ } قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا الذي وعظتهم به بلاغ ؛ أو تلك الساعة بلاغ ، أو هذا القرآن بلاغ ، أو هو مبتدأ والخبر لهم الواقع بعد قوله { ولا تستعجل لهم } أي : لهم بلاغ ، وقرئ بالنصب على المصدر ، أي بلغ بلاغا ، وقرئ بلغ بصيغة الأمر ، وبلغ بصيغة الماضي .

{ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } قرأ الجمهور يهلك على البناء للمفعول وقرئ على البناء للفاعل ، وقرئ بالنون ونصب القوم ، والمعنى أنه لا يهلك بعذاب الله إلا القوم الخارجون عن الطاعة الواقعون في معاصي الله .

قال قتادة " لا يهلك على الله إلا هالك مشرك " قيل وهذه الآية أقوى آية في الرجاء ، وقال الزجاج تأويله لا يهلك مع رحمة الله تعالى وفضله إلا القوم الفاسقون وهذا تطميع في سعة فضل الله سبحانه وتعالى .