ولما قرّر تعالى المطالب الثلاثة ؛ وهي التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد . وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأنّ الكفار كانوا يؤذونه ويوحشون صدره فقال تعالى : { فاصبر } أي : على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة ، وعلى أذى قومك قال القشيري : الصبر ، هو الوثوق بحكم الله تعالى والثبات من غير بث ولا استكراه { كما صبر أولو العزم } أي : الثبات والجدّ في الأمور . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أولو الحزم وقوله تعالى : { من الرسل } يجوز فيه أن تكون { من } تبعيضية وعلى هذا فالرسل : أولو عزم وغير أولي عزم ويجوز أن تكون للبيان ، وعليه جرى الجلال المحلي فكلهم على هذا أولو عزم .
قال ابن زيد كل الرسل كانوا أولي عزم وحزم ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز . وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس لعلة كانت فيه . ألا ترى أنه قيل لنبينا صلى الله عليه وسلم { ولا تكن كصحاب الحوت } ( القلم : 48 ) وقال قوم : هم نجباء الرسل ، وهم المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } ( الأنعام : 90 ) وقال الكلبيّ هم الذين أمروا بالجهاد ، وأظهروا المكاشفة مع أعداء الله تعالى وقيل : هم ستة ؛ نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى . وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء وقال مقاتل : هم ستة ، نوح صبر على أذى قومه ، وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد ولده ، وذهاب بصره ويوسف صبر في الجب والسجن ، وأيوب صبر على الضرّ . وقال ابن عباس وقتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة ونظمهم بعضهم في بيت فقال :
محمد إبراهيم موسى كليمه *** فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم
قال البغوي : ذكرهم الله تعالى على التخصيص في قوله تعالى { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } ( الأحزاب : 7 ) وفي قوله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً } ( الشورى : 13 ) الآية .
وعن مسروق قال «قالت عائشة رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا الصبر على مكروهها ، والصبر عن محبوبها . ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم قال تعالى { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } وإني والله لا بدّ لي من طاعته والله لأصبرنّ كما صبروا ولأجهدنّ ، ولا قوّة إلا بالله » .
ولما أمره الله تعالى بالصبر الذي هو من أعلى الفضائل ، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل فقال عز من قائل : { ولا تستعجل لهم } أي : لا تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوءهم في غير حينه الأليق به . فإنه نازل بهم في وقته لا محالة . قيل : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضجر من قومه ، وأحب أن ينزل الله تعالى العذاب بمن أبى من قومه ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال ثم أخبر أنّ ذلك العذاب إذا نزل بهم يستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا ، حتى يحسبونها ساعة من نهار فقال تعالى : { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } أي : من العذاب بهم في الآخرة { لم يلبثوا } أي : في الدنيا { إلا ساعة من نهار } استقصروا مدّة لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، أو كأنه لم يكن لهول ما عاينوا ، ولأنّ ما مضى وإن كان طويلاً صار كأنه لم يكن قال الشاعر :
كأنّ شيئاً لم يكن إذا مضى *** كأنّ شيئاً لم يكن إذا أتى
تنبيه : تم الكلام ههنا وقوله تعالى { بلاغ } خبر مبتدأ محذوف قدره بعضهم : تلك الساعة بلاغ لدلالة قوله تعالى { إلا ساعة من نهار } وبعضهم : هذا أي القرآن بلاغ أي تبليغ من الله تعالى إليكم وجرى عليه الجلال المحلي . { فهل } أي : لا { يهلك } أي : بالعذاب إذا نزل { إلا القوم } أي : الذين هم أهل القيام بما يحاولونه من اللدد ، { الفاسقون } أي : العريقون في إدامة الخروج عن الانقياد والطاعة ، وهم الكافرون . قال الزجاج : تأويله لا يهلك مع فضل الله ورحمته إلا القوم الفاسقون ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله أقوى من هذه الآية . وما قاله البيضاويّ تبعاً للزمخشري : من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة الأحقاف كتب الله له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا » . حديث موضوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.