المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

55- وعد الله الذين صدَّقوا بالحق وأذعنوا له منكم ، وعملوا الأعمال الصالحة وعداً مؤكداً أن يجعلهم خلفاء لمن سبقوهم وارثين لهم في الحكم والولاية في الأرض ، كما كان الشأن فيمن سبقوهم . وأن يمكن لهم الإسلام الذي ارتضاه ديناً لهم ، فتكون لهم المهابة والسلطان ، وأن يبدل حالهم من خوف إلي أمن بحيث يعبدونني مطمئنين ، لا يشركون معي أحداً في العبادة . ومن اختاروا الكفر بعد هذا الوعد الصادق ، أو ارتدوا عن الإسلام فأولئك هم الخارجون المتمردون الجاحدون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

{ 55 } { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

هذا من أوعاده{[570]}  الصادقة ، التي شوهد تأويلها ومخبرها ، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة ، أن يستخلفهم في الأرض ، يكونون هم الخلفاء فيها ، المتصرفين في تدبيرها ، وأنه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وهو دين الإسلام ، الذي فاق الأديان كلها ، ارتضاه لهذه الأمة ، لفضلها وشرفها ونعمته عليها ، بأن يتمكنوا من إقامته ، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة ، في أنفسهم وفي غيرهم ، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين ، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه ، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار ، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا بالنسبة إلى غيرهم ، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة ، وبغوا لهم الغوائل .

فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية ، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها ، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي ، والأمن التام ، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا ، ولا يخافون أحدا إلا الله ، فقام صدر هذه الأمة ، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم ، فمكنهم من البلاد والعباد ، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها ، وحصل الأمن التام والتمكين التام ، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة ، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة ، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح ، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله ، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين ، ويديلهم في بعض الأحيان ، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح .

{ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ْ } التمكين والسلطنة التامة لكم ، يا معشر المسلمين ، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ } الذين خرجوا عن طاعة الله ، وفسدوا ، فلم يصلحوا لصالح ، ولم يكن فيهم أهلية للخير ، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره ، وعدم وجود الأسباب المانعة منه ، يدل على فساد نيته ، وخبث طويته ، لأنه لا داعي له لترك الدين إلا ذلك . ودلت هذه الآية ، أن الله قد مكن من قبلنا ، واستخلفهم في الأرض ، كما قال موسى لقومه : { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ْ } وقال تعالى : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ }


[570]:- كذا في النسختين، ولعل الصواب: وعوده.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

قرأ الجمهور «استخلَف » على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ أبو بكر عن عاصم والأعرج ، «استُخلِف » على بناء الفعل للمفعول ، وروي أن سبب هذه الآية أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت هذه الآية عامة لأمة محمد عليه السلام ، وقوله { في الأرض } يريد في البلاد التي تجاورهم والأصقاع التي قضى بامتدادهم إليها ، و «استخلافهم » هو أن يملكهم ويجعلهم أهلها كما جرى في الشام وفي العراق وخراسان والمغرب ، وقال الضحاك في كتاب النقاش هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الخلافة بعدي ثلاثون سنة »{[8752]}

قال الفقيه الإمام القاضي : والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور ، واللام في قوله { ليستخلفنهم } لام القسم ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر «ليبَدّلنهم » بفتح الباء وشد الدال ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والحسن وابن محيصن بسكون الباء وتخفيف الدال{[8753]} ، وجاء في معنى تبديل خوفهم بالأمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أصحابه : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تغبرون إلا قليلاً حتى يجلس الرجل منكم في الملأِ العظيم محتبياً ليس في حديدة »{[8754]} ، وقوله { يعبدونني } فعل مستأنف أي هم يعبدونني ، قوله { ومن كفر } يحتمل أن يريد كفر هذه النعم إذا وقعت ويكون «الفسق » على هذا غير المخرج عن الملة ، قال بعض الناس في كتاب الطبري ظهر ذلك في قتلة عثمان رضي الله عنه ، ويحتمل أن يريد الكفر والفسق المخرجين عن الملة وهو ظاهر قول حذيفة بن اليمان فإنه قال كان على عهد النبي نفاق وقد ذهب ولم يبق إلا كفر بعد إيمان ،


[8752]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5 ـ 220، 221) عن سفينة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك)، قال سفينة، أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنى عشرة سنة، وخلافة علي رضي الله عنه ست ينين، رضي الله عنهم. (هذا وسفينة هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم). وأخرجه بلفظ (خلافة النبوة ثلاثون سنة) كل من أبي داود، والترمذي، وأحمد أيضا، عن النعمان بن بشير.
[8753]:قراءة تشديد الدال من بدل، وقراءة التخفيف من أبدل، واختار أبو عبيدة قراءة التشديد لأنها أكثر ما في القرآن، قال تعالى: {لا تبديل لكلمات الله}، وقال: {وإذا بدلنا آية مكان آية}. واختار أبو حاتم قراءة التخفيف، وقال بعض العلماء: هما لغتان.
[8754]:أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لا شريك له سرا وهم خائفون، لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة، فقدموا المدينة فأمرهم الله بالقتال، وكانوا بها خائفين، يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فغبروا بذلك ما شاء الله، ثم إن رجلا من أصحابه قال: يا رسول الله، أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تغبروا إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة، فأنزل الله {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} إلى آخر الآية. و (غبر) معناها: مكث. وأخرج مثله ابن المنذر، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل، وابن مردويه، عن أبي بن كعب رضي الله عنه.