بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

قوله عز وجل : { وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات } وذلك أن كفار مكة لما صَدُّوا المسلمين عن مكة عام الحديبية ، فقال المسلمون : لو فتح الله مكة ودخلناها آمنين ، فنزل قوله { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرض } يعني : لينزلنهم في أرض مكة { كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ } يعني : من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل وغيرهم ، { وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ } يعني : ليظهرن لهم { دِينَهُمُ } الإسلام { الذى ارتضى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً } من الكفار { يَعْبُدُونَنِى } يعني : لكي يعبدوني { لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً } ويقال : معناه يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ، أي : يظهر عبادة الله تعالى ، ويبطل الشرك .

وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة زماناً ، نحواً من عشر سنين ، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال ، حتى إذا أمروا بالهجرة إلى المدينة ، فقدموا المدينة ، أمرهم الله تعالى بالقتال ، فكانوا بها خائفين يُمسون في السلاح ، ويصبحون في السلاح ، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله نحن أبداً خائفون ، هل يأتي علينا يوم نأمن فيه ، ونضع فيه السلاح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَكُونُ إلاّ يَسِيراً حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي المَلإ العَظِيمِ مُحْتَبِياً لَيْسَتْ فِيهِ حَدِيدَةٌ » ونزلت هذه الآية { وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات *** ضَلَلْنَا فِى الأرض } الآية .

ويقال : نزلت في شأن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } يعني : يكونوا خلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً بعد واحد .

ثم قال : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك } يعني : بعد الأمن والتمكين { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون } أي العاصون . قرأ عاصم في رواية أبي بكر { كَمَا استخلف } بضم التاء على فعل ما لم يُسَمَّ فاعله . وقرأ الباقون بنصب التاء لأنه سبق ذكر الله تعالى . وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر { وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ } بالتخفيف . وقرأ الباقون بتشديد الدال من بدَّل يبدِّل والأول من أبْدَلَ يُبْدِلُ .