الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ } إنما أدخل اللام بجواب اليمين المضمر لأنّ الوعد قول ، مجازها وقال الله سبحانه { الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } والله ليستخلفنّهم في الأرض أي ليورثنّهم أرض الكفّار من العرب والعجم ، فيجعلهم ملوكها وسائسيها وسكّانها .

{ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني بني إسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم ، وقرأه العامة : كما استخلف بفتح التاء واللام لقوله سبحانه { وَعَدَ اللَّهُ } وقوله { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } .

وروى أبو بكر عن عاصم بضم التاء وكسر اللام على مذهب ما لم يَسمَّ فاعله .

{ وَلَيُمَكِّنَنَّ } وليوطّننّ { لَهُمْ دِينَهُمُ } ملّتهم التي ارتضاها لهم وأمرهم بها { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } قرأ ابن كثير وعاصم ويعقوب بالتخفيف وهو اختيار أبي حاتم ، غيرهم : بالتشديد وهما لغتان . وقال بعض الأَئمة : التبديل : تغيير حال الى حال ، والإبدال : رفع شيء وجعل غيره مكانه { مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ } بهذه النعمة { بَعْدَ ذلِكَ } وآثر يعني الكفر بالله { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .

روى الربيع عن أبي العالية في هذه الآية قال : " مكث النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين خائفاً يدعو الى الله سراً وعلانية ثم أُمر بالهجرة الى المدينة ، فمكث بها هو أصحابه خائفين يصبحون في السلاح ويمسون فيه ، فقال رجل : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنّا السلاح فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تغبرّون إلاّ يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس فيه حديده " . " وأنزل الله سبحانه هذه الآية فأنجز الله وعده وأظهره على جزيرة العرب ، فآمنوا ثم تجبّروا وكفروا بهذه النعمة وقتلوا عثمان بن عفان ، فغيّر الله سبحانه ما بهم وأدخل الخوف الذي كان رفعه عنهم .

وقال مقاتل : لمّا رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبيّة حزن أصحابه فأطعمهم اللّه نخل خيبر ، ووعدهم أن يدخلوا العام المقبل مكة آمنين ، وأنزل هذه الآية .

قلت : وفيها دلالة واضحة على صحّة خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وإمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

روى سعيد بن جهمان عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة من بعدي ثلاثون ثم يكون مُلكاً " .

قال سفينة : أمسك خلافة أبي بكر سنتين ، وعمر عشراً ، وعثمان ثنتي عشرة ، وعليّ ستة .

وأخبرنا أبو عبد الله عبد الرَّحْمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها قال : أخبرنا شافع بن محمد قال : حدّثنا ابن الوشّاء قال : حدّثنا ابن إسماعيل البغدادي قال : حدّثنا محمد بن الصباح قال : حدّثنا هشيم بن بشير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي في أُمّتي في أربع : أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ " .