{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { 55 ) } .
{ ليستخلفنهم } ليجعلنهم خلفاء .
{ وليمكنن } وليثبتن ، وليعلين .
بشرى من ربنا الذي لا يخلف الميعاد للذين صدقوا واستيقنوا ما يجب الاستيقان به ، ثم استقاموا على مرضاة الله ، واستداموا الرشد والبر والخير ، ليجعلنهم الفعال لما يريد خلفاء يهدون بأمره ، ويحكمون بشرعه ، ويلون أمر الخلق على نهج كتابه وسنة رسوله ليديلن لهم من عدو الله وعدوهم ، فيخلفونهم ويرثون أرضهم من بعدهم ، كالذي جاء في قول الحق جل علاه : { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ){[2511]} وقوله تبارك اسمه : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ){[2512]} { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } وليثبتن الله تعالى للمؤمنين الصالحين الدين الذي ارتضاه ولم يرتض دينا سواه : { إن الدين عند الله الإسلام . . ){[2513]} { . . اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا . . ){[2514]} ، { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } قسم حق من الله الحق أن يمن على الذين استضعفوا وهم ممن آمن وعمل صالحا أن يؤمن خوفهم ويعلي شأنهم ، ويظهرهم على عدوهم ؛ ولقد صدق الله تعالى وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف{ في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا . وأورثكم أرضهم . وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا ){[2515]} .
وجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وهكذا كتب ربنا على نفسه تفضلا منه وكرما أن يتولى أهل اليقين المتقين بالعون والمدد ، والتأييد والنصر والظفر : { . . وكان حقا علينا نصر المؤمنين ){[2516]} { . . ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ){[2517]} .
{ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ){[2518]} { . . ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ){[2519]} ، فليستبشر أهل الصدق من المجاهدين بأن العاقبة للمتقين ، وأن الله القوي المتين يقذف بالحق على الباطل فيدمغه { . . . ولله جنود السماوات والأرض . . ){[2520]} { إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون ){[2521]} ومهما تقلبوا في البلاد ، وتواصوا بالعدوان والفساد ، فإن ربنا بهم محيط ، { . . والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ){[2522]} . { يعبدونني لا يشركون بي شيئا } فالمؤمنون الصالحون عابدون لربنا وحامدون ، سواء في ضرائهم أو حين يغلبون وينتصرون ، وهم على كل حال لربهم يرهبون ، وله يوحدون ويخلصون ، وإياه دون سواه يعبدون .
[ . . لما أفاد الكلام السابق أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخاف مضرتهم أكد بأنه عليه الصلاة والسلام هو الغالب ومن معه فأنى للخوف مجال ؟ ! و{ من } بيانية . . { وليمكنن لهم دينهم } عطف على { ليستخلفنهم } والكلام فيه كالكلام فيه ، وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أنه كالأثر للاستخلاف المذكور ، وقيل : لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل ، فتصدير المواعيد بها في الاستمالة أدخل . . . ]{[2523]} بلى ومنذ يوم الفرقان يوم بدر امتن الله تعالى على المؤمنين بما أفاء عليهم من مدد وعز ونصر ، فقال تبارك اسمه : { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ){[2524]} ، وستبقى هذه النصرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، مصداقا لوعد خاتم النبيين محمد الصادق الأمين . " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " أو كما قال . صلى الله عليه وسلم .
ومما روى جعفر الطبري بسنده عن أبي العالية : . . { فمن كفر بعد ذلك } يقول من كفر بهذه النعمة { فأولئك هم الفاسقون } وليس يعني الكفر بالله ، قال : فأظهره الله على جزيرة العرب فآمنوا ، ثم تجبروا فغير الله ما بهم ، وكفروا بهذه النعمة فأدخل الله عليهم الخوف الذي كان رفعه عنهم اه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.